ثقافة

ولادة متعسرة / وافي بيرم

لم أولد صغيرًا أبدًا، ولم أتكوّن من خلال جنين بأصابع طريّة وعيون مغمضة، وحبل سرّيّ متّصل بعالم آخر. قدِمتُ إلى العالم هكذا بشكلي الحالي، وكرشي المتقدم عليّ بهدفين، وشعرٍ أجعد، وشامة أسفل الشفة ينبت فيها رهط من الشعيرات السوداوات أخبّئ تحتهنّ خبثي.

قدِمتُ هكذا بحقدي وغضبي بدون أي براءة تذكر، أو صراخ بريء لحظة الخروج، بل خرجت صارخًا بالشتائم، أتيت كما أنا؛ طويل يلاحق النساء ويكسر مصابيح الشرفات ويشتم الجدّات وحكاياتهنّ، أعمل “عتّالًا” براتب زهيد عند القهر، وأقوم بأعمال مسائيّة بدوام إضافي تحت رحمة الجنون -جنون هذا العالم-  قدمتُ في زمن الحرب، في زمن الجبروت، في زمن رفع الرؤوس على أسوار حدائق الأطفال، في زمن تفتيت الأجساد، في زمن عجن اللحم بالحديد، قالوا لي إنه في يوم مضى كانت هناك إنسانية، قدُّها مرمر وثدياها كوكبان دريان تُسكِر الناظرين، إلّا أن وحشًا عملاقًا أعجبته فاغتصبها، وشرب نخبها مخلوطًا بدماء بكارتها برفقة رجال دين وطاغية.

يدهشني البعض بفرحهم بتذكّر أيام الطفولة والبراءة كما يسمونها، لم أجد مبررًا واحدًا لسعادة طفل، في بيتٍ ربُّه أبٌ حازمٌ تتربع عقدة تشكّلت منذ زمن الأحفوريات أعلى جبينه، يجلس بين أصدقائه واضعًا قدمًا فوق أخرى ليقول: أنا أدخل البيت لأجمّد الهواء في حناجر أهله، ثم ينفض رماد سيجارته وهو يرتجف ويتطلع خوفًا من جدار قد وجه أذنه باتجاهه، أو أستاذ بعصا قدّها من الجنة كما يدّعي؛ يهوي بها على من يفتخرون بتلك البراءة، أو أمٍ خلقت في مهمّة لتلقي الشتائم والضرب يوميًا بحجة جنحها المكسور، كسروا لها جنحها، ثم نعتوها بذات الجنح المكسور!.

لا لم أكن طفلًا أبدًا، كلّ ما أتذكّره هو أنني أتيت هكذا بلسان بذيء، وحقد وكره وغضب، وأسنان حادّة قطّعت بها كلّ الحبال السريّة المتّصلة بتلك البراءة الغبيّة.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top