مقالات رأي

ماذا يريد الكورد اليوم؟ / دلير يوسف

2187342_3346_iraqiii187342

في السنوات الأخيرة كثرت الأسئلة المطروحة عربيّاً حول الكورد سواء أكان ذلك اجتماعيّاً أو صحافيّاً أو سياسيّاً، وخاصة بعد بدء حرب العراق في آذار 2003 ولَعْبْ الكورد حينها دوراً كبيراً في إسقاط نظام صدام حسين ولاحقاً أصبح رئيس العراق، السيد جلال الطالباني، كورديّاً للمرة الأولى في تاريخ العراق الحديث، وأخذت هذه الأسئلة بالازدياد منذ أكثر من أربع سنوات، أي بعد انطلاق الثورة السوريّة ودور الكورد فيها وكذلك بعد ازدياد اهتمام الصحافة العربيّة بالحرب الكورديّة التركيّة.

سوريّاً كثرت الأسئلة المطروحة حول مستقبل الكورد في البلاد وهل يسعون إلى الانفصال لا سيما بعد أن أُعلنت حكومة الإدارة الذاتيّة في مناطق تواجد الكورد، وهي ثلاث كانتونات: الجزيرة وكوباني وعفرين، وبعد معركة كوباني ودعم التحالف الدولي للكورد في وجه ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلاميّة-داعش. وتكاد لا تخلو صحيفة أو قناة تلفزيونيّة أو إذاعيّة من برنامج حواري تتحدث فيه عن الكورد ومستقبلهم، ودأبت المجلات والمواقع الإلكترونيّة على أن تطلب من كتّاب الكورد والصحفيين والسياسيين أن يشرحوا موقف الأكراد، وشرع المحللون السياسيون إلى استشراف مستقبل الأكراد في المنطقة بمقالات تطول وتقصر، ولم يوفر الباحثون عناءً في البحث عن تاريخ هذا الشعب وثقافته وحاضره ومستقبله.

أما إذا مشيت في شارع عربي (1) وسألت الناس: ماذا يريد الكورد اليوم؟ فستتلقى إجابات تتراوح بين العيش المشترك والإخوة وبين “بالدبح جيناكم” مروراً بكلمات مثل: مخربون، يسعون للانفصال، مرتهنون للأمريكان، هم واسرائيل وجهان لعملة واحدة، أبطال وقفوا بوجه داعش، إخوتنا في الدين، إخوتنا في الوطن… الخ من المتناقضات.

أما إذا مشيت في شارعٍ كوردي (1) وسألت الناس السؤال ذاته، وهذا ما فعلته شخصيّاً خلال إحدى الزيارات لمدن كورديّة تقع في الجانبين الجغرافيين السوري والتركي، فستكون الإجابات متمحورة في معظمها عن الرغبة في “حياة كالحياة”.

ملاحظة: خلال اطلاعي على عدد من الصحف والمجلات العالميّة وخلال سفري الدائم لم ألحظ يوماً مقالاً بعنوان: ماذا يريد الألمان؟ ولم أشاهد حواراً على قناة تلفزيونيّة هولنديّة تتحدث عن سكان جزر السيشل ومستقبلهم؟

بالطبع هذا الاهتمام البالغ بالكورد مؤخراً لا ينبع عن حب وعاطفة شبقة، ولا هو رغبة في العيش المشترك كما أظن، وكما توحي الحرب الأهليّة المفتوحة الدائرة في البلاد، لكن لن أسيء الظن أكثر من ذلك وسأحاول سرد أسباب هذا الاهتمام:

أولاً: رغبة في فهم هؤلاء الجيران، الذين اكتشفنا مؤخراً أنّهم لا يأكلون البشر(2).

ثانياً: رغبة في فهم تاريخ المنطقة كي يبنى على ذلك عقد اجتماعي جديد ناتج من حوارات المفكرين والمثقفين. (هذا السبب هو سبب وجيه جداً).

ثالثاً: رغبة في ملئ الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات التلفزيونيّة بمواد صحفيّة تشد المتابع العادي كونها مليئة بالأكشن. (شخصياً كتبت عدداً من المواد الصحفيّة بعضها طويل وشاركت في برنامجين إذاعيين عن هذا الموضوع).

رابعاً: كسلاً في الحديث عن الظبي والقُبَّرة (3).

على كل حال لا أريد هنا أن يفهم كلامي بأنّني ضد هذا الاهتمام بل أنّه يسعدني الالتفات إلى جيران نسيهم جيرانهم لفترة طويلة وقرروا الآن أن يحادثونهم، وكل ما أريد قوله هنا هو أن أجيب باختصار على هذا السؤال السرمدي: ماذا يريد الكورد؟

يريد الكورد أعزائي أن يعيشوا حياتهم البسيطة مثلهم مثل باقي الناس، يريدون أن يرقصوا ويغنوا بفرح، يريدون أن يتعلموا بلغتهم ويتحدثوا بها دون أن يكون ذلك مصدراً للمصائب الأمنيّة، ربما يريدون أن يقيموا الأعراس في الشوارع وأن يكونوا جزءاً من هذا المكان مثل باقي الأجزاء. هؤلاء الفقراء البسطاء في تلك القرى والمدن البعيدة المنسيّة يبحثون عن حياة بسيطة سعيدة.

إنهم ببساطة يريدون حياة كالحياة.

هوامش:

1 – يعتقد الكاتب بأنّه لا يوجد شيء يسمى شارع عربي أو شارع كوردي أو شارع هندي أو شارع ألماني والمقصود هنا سؤال العرب، أو سؤال الكورد.

2- حدث خلال أحد الدورات التدريبيّة خلال الخدمة العسكريّة الإلزاميّة السوريّة في بداية القرن الجاري أن تعارف شاب كردي مع آخر قادم من إحدى قرى سهل الغاب كان يظن أنّ الكورد يأكلون البشر وكان الأهل في تلك القريّة حين يخيفون أبناءهم يقولون: “جاية الكردي ياكلك”. الشاب الكوردي هو قريبي وهو من أخبرني عن هده الحادثة.

3 – قصيدة لاعب النرد للشاعر محمود درويش.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top