مجلة طلعنا عالحرية

في سوريا لا ملكية بدون موافقة أمنية

درعا.. الموافقات الأمنية تعطل عمليات بيع وشراء العقارات

علي المحاميد

عادت الموافقات الأمنية لتتصدر المشهد من جديد في درعا، حيث لا يسمح لأحد بتسجيل عقار يملكه باسمه دون الحصول على موافقة أمنية، وهو أمر شبه مستحيل بالنسبة للمعارضين!
التقت مجلة طلعنا عالحرية بحالات تسعى لإثبات مليكة عقارات يملكونها، ولا يستطيعون التصرف به، بسبب عدم قدرتهم على تسجيله بالصحيفة العقارية، وبسبب اشتراط الحصول على الموافقة الأمنية.
هذا الأمر أصبح عقدة ليس لها حل، مع أنه يعتبر روتينياً للبعض، وخاصة لمؤيدي النظام السوري، لكن بالنسبة لمعارضيه فهو كابوس، يصطدم بالرفض المباشر أو دفع مبالغ باهظة قد تصل إلى الملايين، حسب صفة الشخص المعني بالأمر.
“أبو فارس” من أبناء درعا، اشترى قطعة أرض منذ سنوات، وبدأ بمعاملة تثبيت الملكية، حول ذلك يوضح: “قمت برفع دعوى قضائية ضد المالك الأصلي وهو متوفى، وقد حصلت على حكم مبرم بتسجيل العقار باسمي، ولكي تتابع إجراءات التسجيل في دائرة المصالح العقارية، يجب عليك الحصول على موافقة أمنية مسبقة، تخولك تسجيل العقار باسمك، ويقوم فرع الأمن السياسي في درعا بإصدار موافقة بذلك، ولكن بعد مضي أكثر من شهرين تم رفض الطلب دون إيضاح الأسباب”.
ويتابع أبو فارس: “بالنسبة لي الرفض متوقع، فأنا معارض للنظام السياسي في سوريا، الذي يريد أن أدفع ثمن هذه المعارضة، بحرماني من أبسط حقوقي التي ينص عليها الدستور كمواطن لي حق التملك والبيع والشراء، ولكن أن تعيش ضمن عصابة تحكم البلد فلا يجب أن تستغرب مما يحصل فيها”.
لا أمل لذوي المختفين قسريا!
“شذى” موظفة حكومية، ذاقت الأمرّين حتى استطاعت أن تعود إلى عملها في مديرية التربية، بعد أن تم فصلها لسنوات بسبب الدراسات الأمنية المطلوبة للعودة لوظيفتها، وزوجها معتقل ولديها ثلاثة أولاد، اشترت منذ سنوات شقة سكنية في درعا بنظام الأقساط، وتحاول جاهدة إثبات ملكيتها للعقار.
تقول شذى: “بعد رفع دعوى قضائية لتثبيت الملكية وحصولي على حكم مبرم بتسجيل العقار باسم زوجي، كون العقد الموقع بينه وبين صاحب العقار الأصلي، تقدمت بطلب الحصول على موافقة أمنية لتسجيل العقار في الصحيفة العقارية، وما زلت أنتظر الموافقة، والتي أتوقع أن تأتي بالرفض؛ كون زوجي مغيب قسرياً ومعتقل في سجون النظام منذ 9 سنوات، وحسب حالات مشابهة أتت بالرفض للمغيبين”.
للحديث عن هذا الأمر، تواصلت “طلعنا عالحرية” مع محامي في درعا يعمل في مجال نزاع الملكيات العقارية (نتحفظ على ذكر اسمه).
يوضح المحامي: “شرع النظام السوري بوجوب الحصول على موافقة أمنية سابقة لتسجيل أي عقار مهما كانت صفته، ويتم ذلك بتقديم طلب في مديرية المالية مرفق معه عقد البيع، وإخراج قيد عقاري وإخراج قيد مدني للبائع والشاري، ويُرفع للجهات الأمنية المختصة، ليقوم الفرع المختص بعمل دراسة أمنية عن البائع والشاري، بالسؤال عن أمور لا تمت لموضوع الملكية والعقار بأي صلة. إن الموضوع أمني بحت، ولا تمنح الموافقة الأمنية لأي شخص “تحت اسمه خط أحمر” أو لديه إشكالات أو سوابق أمنية من وجهة نظر النظام”.
ويضيف: “موضوع طلب الموافقات الأمنية يشمل أيضاً وكالات البيع والشراء بكافة أصنافها؛ فلكي يقوم الكاتب بالعدل المكلّف بإبرام الوكالة وفق الأسس الشرعية، وهي حضور الطرفين والبصم على محضر الوكالة، فلا بد من الحصول المسبق على الموافقة الأمنية، حتى يقبل كاتب العدل منحهم وكالة، يستطيع بموجبها المشتري أن يسجل ملكية عقاره على الصحيفة العقارية”.
وبحسب المحامي، الموافقات الأمنية تدخل حتى في معاملات “حصر الإرث”، مشيراً إلى أن: “أي شخص يرغب في إجراء معاملة حصر إرث لا بد من الحصول على موافقة أمنية من أجل التسجيل في الصحيفة العقارية، وفي حال تم رفض أحد الأشخاص لأسباب أمنية، فإن جميع الأسماء الواردة في طلب حصر الإرث لا يستطيعون استكمال التسجيل”.
متاعب تسبب خلافات كثيرة!
“أبو أنور” تاجر عقارات في مدينة درعا يتحدث: “موضوع الحصول على الموافقة الأمنية زاد من متاعب المواطن، وخاصة في حال أن المشتري قد دفع مبلغاً مالياً قبل التسجيل حتى يتم البيع الكامل لاحقاً، وفي الكثير من الحالات لا يتمكن من الحصول على موافقة أمنية بسبب إشكالات لدى البعض، فلا يستطيع استكمال التسجيل وقد يتم فسخ البيع، وهنا تكون المشكلة أن البائع لا يستطيع رد المبلغ الذي تحصل عليه، ويبدأ النزاع الذي قد يتطور بشكل مخيف وقد يصل بالتهديد والوعيد بين المتنازعين”.
ويؤكد أبو أنور أن عمليات البيع والشراء في درعا انخفضت بشكل كبير، رغم رخص أسعار العقارات بسبب تدني سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، ما سبب طلباً متزايداً من قبل المغتربين لشراء العقارات، لكن هذه الرغبة تصطدم بالموافقة الأمنية.
الجدير بالذكر أن قانون الموافقات الأمنية، صدر في البداية عام 2004، وخصّ القانون المناطق الحدودية التي تبعد 14 كم عن أي شريط حدودي، ويخص فقط الأراضي الزراعية، ثم شمل العقارات داخل المخطط التنظيمي للمدن في عام 2008.

Exit mobile version