مقالات رأي

عودٌ على بدء

نور آدم

ثمة أسئلة في هذا الزمن، واجب علينا البحث فيها: هل سيعيد التاريخ نفسه؟ أم نطمح لتاريخ مختلف… تاريخياً لكل ثورة ثورة مضادة، هل يمكن تجنب هكذا كارثة؟

ربما… إذا عمل الفكر فعله، إذا بدأ العقل يحضر بحكمته…

ضمن المستطاع والممكن لا يوجد في الأفق سوى العودة للكلمة، كما قال السيد المسيح (في البدء كانت الكلمة)، وعاد القرآن الكريم لذكرها بالآية الشريفة: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون).

هذه الكلمة تعود مؤكدة صيانة حريتها، انبثاقها.. لا يعرف أرباباً.. إنما يعرف عقلاً احترمها واحترم بها الإنسان… تجد في هذا العصر صرختها بحناجر الشعب السوري عندما ردد (حرية .. حرية) .. مبشراً بولادة لم يأت وقتها بعد فهي محاطة بكل الإحباطات الممكنة لبقايا ظلمة تجسدت بظلم هذا الشعب، إن كان باستبداد النظام أو استبداد عقائد متطرفة.

فليس الاستبداد وقفاً على الأنظمة فقط.. إنما من يزرع في عقول وقلوب أبناء جلدته إرهاصات التعصب وبالتالي عدم قبول الآخر لهو استبداد لا يقل خطراً عما هو معروف.

فحقيقة الحرية نشاط لا يهدأ للناس واختيارات واعية تحكمها قيم الإنسان، من أهم محطاتها المعرفية قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟).. وصولاً إلى عصر الأنوار بقول هيجل: ”إن إرادة الحرية مرهونة بوعي الضرورة، فلسفياً” ليجسدها غاندي عندما أوقف ثورته حين رأى العنف قد بدأ، لأنه أي (العنف) لا يمكن أن يكون طريقاً لبزوغ شمس الحرية.

على هذا الأساس، علينا أن نعيد لهذه الكلمة التي كانت من أعماق روح الشعب السوري بداية الثورة، تجسيدها المعرفي وتفعيلها في نفوسنا كقيمة دائمة حقة، حتى يتلاشى الاستبداد الذي عشش تاريخاً طويلاً في أعماق نفوسنا، لنستحق عندها حقيقة هذه الكلمة: نسيجاً لمجتمع سيتجاوز حتى أكثر المجتمعات المتقدمة التي ترفع راية الحرية، تلك البلدان المدعية التي ما زالت تساهم في استعباد البلدان الفقيرة باقتصاد الإنسان الرقمي (المصلحي) البعيد إنسانياً عن تطوره الذاتي.

من هنا، نبدأ بنفي كل القيم التي حملها النظام والجهات المتطرفة والمتعصبة دينياً فهما وجهان لعملة واحدة في الاستبداد.

عندها بالنفي للعنف، نصنع حقيقة السلام في الداخل.

ومقابل الاستكبار، يكون التواضع الإنساني الراقي الذي يفتح صدره لكل الآراء والخيارات البناءة.

ومقابل الاستغلال، محبة بعضنا البعض واعتبار نهوض الآخر هو عينه نهوض لذاتنا..

ومقابل السلطة، القبول بالتشارك في صنع مستقبلنا ودخول العلم والمعرفة وكل التجارب الناجحة التي عاشتها شعوب سبقتنا في معاناتها.

ومقابل معادلة المصلحة فوق الإنسان، يكون الإنسان هو المنطلق والوسيلة والغاية النهائية. فالمجتمع كله يكون معنياً بالفرد، والفرد بالتالي يكون معنياً بالمجتمع كله.

ذلك هو التجسيد المعرفي لكلمة (الحرية) التي استشهدت على مذبحها أجمل الورود. تفعيلها داخلنا سيكون الحامل الحقيقي للتغيير، بشهادة القرآن الكريم (إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top