مقالات رأي

تحويل الألم إلى فرجة/ عروة مقداد

11947664_10153236181349582_8248097021991331194_n

تمعنت كثيراً في صورة الطفل النائم على الشاطئ. قرأت ما استطعت من ردود الأفعال على جسده الراقد عند أمواج البحر، ربما يكون نوع من الهوس إذ قلت إنني وجدت الطفل جميل في إغفاءته الهادئة أمام دناءة العالم. جسد غض صغير متكور كصدفة شكّلها زبد البحر فغفت على شاطئه.

ورحت أفكر ماهي الوسيلة الأكثر قسوة في القتل؟ الغرق؟ الاستهداف بصاروخ؟ برميل يحيل الجلد الهشّ إلى رماد؟ الاختفاء؟ الموت تحت التعذيب؟ إلا أنه لا مفاضلة بأشكال القتل. فالقتل هو القتل. إذاً ما الذي جعل كل هؤلاء على اختلاف أماكنهم ووظائفهم وانتماءاتهم وتحليلاتهم يفزعون لصورة الطفل الصغير؟ لا شك أن الإنسان لديه رغبة في تحويل الألم إلى متعة ليتغلب فيها على الألم، إنها متعة الألم الجميل الذي يحولها إلى فرجة مستساغة أمام العجز أو عدم الرغبة بالفعل. فالجميع على اختلافهم قام بتناقل تلك الصورة وتداولها على أنها شيء من الفرجة كما يتداول فيلماً قاسياً عن الحرب العالمية أو كما يتداول فيلماً مرعباً تخرج منه مخلوقات فضائية. وهل هنالك شيء مفزع أكثر من تحول جثة طفل صغير مرمية على الشاطئ إلى أيقونة نواح متكررة؟ أليس من المفترض أن تدفع تلك الصورة آلاف من السوريين قبل الدول الغربية نحو قرار حاسم بالعودة إلى سوريا وخوض معركة شرسة لإسقاط سفّاح الأطفال؟ لكن أطفال سوريا قد قُتِلوا منذ موت حمزة الخطيب الذي تحول أيضاً إلى أيقونة نواح يتداولها السوريون في المناسبات، كما ستتحول صورة هذا الطفل إلى ملصق أو شعار يُتداول أيضاً في المناسبات. وإن كان ثمة مفاضلة في الموت، فموت حمزة الخطيب أشد أثراً وترويعاً وإثارة لمشاعر الكراهية في النفس تجاه هذا النظام المجرم.

عادت بي الذاكرة وأنا أحدق بالصورة إلى قصة امرأة من جنوب سورية حاولت اللجوء مع طفلها إلى الأردن أواخر 2011. لم يكن ثمة مناطق محررة حينها، ولم تكن معارك الجيش الحر قد بدأت. ولم يكن أمام المرأة للوصول إلى الطرف الأردني سوى كرم زيتون لا تتجاوز مساحته 100 متر. كان كرم الزيتون أشبه بحقل رعب. فالجيش العربي السوري يرصد الكرم بمختلف أنواع الأسلحة يتصيد بها الهاربين من قمعه ومن سجونه. ضمت المرأة طفلها وركضت في عتمة الليل وصلت المرأة إلى الطرف الأردني دون طفلها. كان جسده الناحل الرقيق قد مزقه الرصاص ورماه ككيس على الأرض. لم يكن الأمر يحتاج إلى عبور سوريا وتركيا من الجنوب إلى الشمال، وركوب قارب ومن ثم الغرق والاستلقاء على الشاطئ… كانت المسافة بضعة أمتار فقط ليستلقي الطفل في كرم زيتون أمام عيني أمه التي راقبت تفسخ جثته كل يوم ولم تستطع الوصول إليه.

ما هو المهم في التوثيق سوى تحويل الضحايا إلى أرقام؟ ما هو المهم في روي القصص سوى أنها تجعل من الألم متعة؟! وما هو المهم من تناقل هذه الصور سوى عدم اتخاذ قرار حاسم ومصيري لدى السوريين ووحدهم السوريون من أجل إسقاط النظام الذي يدفع نحو كل أشكال الموت؟!

 

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top