مقالات رأي

السويداء.. واحتمالات المواجهة

n00484148-b

عدي اليوسف

قبل الحديث عن مستقبل السويداء والخيارات الممكنة أمام القوى الفاعلة فيها، هناك مجموعة حقائق من الواجب ذكرها، وقد فرضتها المستجدات المتسارعة منذ اعتصام (خنقتونا) الذي رد النظام عليه بجريمة التفجيرين، أولهما الذي  طال موكب الشيخ الشهيد وحيد البلعوس وأعقبه الثاني أمام المشفى الوطني لحظة تجمع الناس أمامه، مرورا بقيام مجموعات من الأهالي بتدمير تمثال حافظ الأسد وإزالته وتمزيق صور بشار الأسد، وصولا إلى مظاهرة التشييع التي شكلت حراكاً يمكن القول إنه شعبي لأول مرة في المحافظة، بمعنى أن الحضور السياسي المعارض كان جزءاً فقط من تلك المظاهرة الكبيرة والتي لم يتسن للإعلام عرضها بوضوح بسبب قطع خدمات الانترنت عن كامل المحافظة وقلة الخبرة بالتصوير.

لم يخفِ المتظاهرون وجوههم هذه المرة بل أبرزوها شامخة عالية أمام كاميرات التصوير معلنين تحديهم للأجهزة الأمنية في مظاهرة نادت بإسقاط النظام ووجهت أصابع الاتهام لكل من بشار الأسد ووفيق ناصر دون أي مواربة أو خوف.

وبالعودة للحقائق الواجب توضيحها نورد ما يلي:

1 –  يمكن القول إن النظام قد خسر حاضنته في السويداء بأغلبيتها، ولم يبق له سوى بعض المرتزقة والمخبرين والمهربين وتجار الأزمات. والأهم أنه لا عودة عن هذا في ضمائر الناس ووعيهم، الناس حسمت أمورها تجاه النظام وباتت تعتبره مرفوضاً جملة وتفصيلاً، مرفوضا بكل أجهزته وممثليه وبيادقه، صور رأس النظام أزيلت حتى عن حواجزه هو، مظاهرة التشييع شارك بها عناصر مما يسمى “الدفاع الوطني” ونادوا بإعدام رأس النظام، كتائب البعث كانت تحيي المتظاهرين من سطح مبنى المحافظة.

2 –  لا يهمنا سقوط ورقة حماية الأقليات التي تغنى بها النظام أمام المجتمع الدولي، لأن الأخير ساقط أخلاقيا وسياسيا بما يخص الملف السوري، المهم سقوط هذه الورقة أمام أعين الأقليات نفسها، خمسة أعوام من الضخ الإعلامي الهائل لصناعة أوهام عداوة المحيط، كان النظام يشعر خلالها بتراكم فشله التدريجي، وعجزه عن إنتاج صدام بين السويداء ومحيطها، متوجا فشله بجريمة التفجيرين، مسقطا كل أوراق التوت وناقلا صورته من لاوعي الناس إلى وعيهم أنني أنا العدو الأوحد لكم.

3 – تمثيلية الإفادة “إفادة وافد أبو ترابة”، التي وضع النظام الجميع عبرها في سلة واحدة، من وليد جنبلاط إلى “إسرائيل” والأردن والجيش الحر، إلى بعض نشطاء معارضة السويداء وحتى رجال البلعوس أنفسهم، هو يعرف قرب انهيار مصداقيتها (النظام يعرف أن اثنين من المخططين للعملية حسب الإفادة يستطيعان اثبات وجودهما بمكان آخر أثناء التفجير، سليم أبو محمود كان في حفلة عرس).

معرفة النظام بأن روايته ستنهار هو فعل قصدي غايته تحدي السويداء التي بدأت بالنهوض في مواجهته منذ مظاهرات (خنقتونا)، شكل من أشكال تقاليد هذا النظام وذهنيته الثابتة في التعامل مع ملفاته (لبنان ونموذج اغتيال الحريري والانسحاب من لبنان وترك ميليشيا ضخمة كحزب الله تعيد ترتيب الأوضاع بما يتناسب مع مصالح النظام)، ضربة كبيرة مكشوفة وامتصاص رد الفعل الأول وبعدها تأتي مرحلة ترتيب الأوراق.

4 – هناك بدايات حقيقية لتفكيك شبكة الحضور الأمني في المجتمع، ذلك الحضور الذي يعتمد على خوف الناس وتفتيت وحدتهم، وربط حياتهم الشخصية بمقدار حضور الخوف في دواخلهم والذي يُشعر الأجهزة الأمنية بالرضى ويجعل من أغلب الناس مخبرين. يمكن القول إن هذا الآن في السويداء بات من الماضي، الأجهزة الأمنية باتت عاجزة عن التحرك العلني، وهي تحاول تنصيب بدائل لها (دفاع وطني أو لجان) وأغلب هؤلاء منحازون للناس وأهل البلد.

بناء على المعطيات السابقة هناك ثلاثة احتمالات لطبيعة العلاقة القادمة بين النظام والسويداء، وهذا رأي شخصي لا يدعي امتلاكا استشرافيا للمستقبل، المشترك بين هذه الاحتمالات هو سقوطه النهائي (لنقل سقوط المركب الذهني النفسي الذي أنتجته الدولة الأمنية خلال خمسين عاما وتعبيره السلوكي بإزالة التمثال/الصنم الذي يعبر تاريخيا عن هذا المركب)، أي أنه بكل الاحتمالات لا عودة للنظام إلى سابق عهده في السويداء:

1 – الاحتمال الأول قد يكون مواجهة يبدؤها مشايخ الكرامة بالهجوم على مؤسسات النظام الأمنية، لمحاسبة قتلة شهداء التفجيرين، ما يدعم هذا الاحتمال ذهنية وروح وثقافة رجال الكرامة وما تربوا عليه في خصوصية الإرث المعروفي أن من اعتدى علينا من واجب الشرف والكرامة الرد عليه، في داخلهم رفض حاد للضيم وثورة على من (يدوس لنا طرف). هذا المركب الذهني النفسي متجذر ومعبر عنه بكل ميراث الجبل من قصائد وقصص شعبية وأحاديث المضافات، شكل حاد من أشكال العصبية القبلية، وهذا ليس تقييما بل توصيفا لحالة كان لها ما لها من تعبيرات الفعل التاريخي العظيم من انتفاضات وثورات ومقارعة للاحتلال.

2 – الاحتمال الثاني هو مواجهة متأخرة زمنيا قد تفسح المجال لصعود نشاط مدني لشريحة لا يستهان بها من الشباب الذين ظهروا يوم التشييع (تظاهرات – اعتصامات) ستكون رد فعل لأي حدث عرضي أو عابر. الناس بإخراجها النظام من داخلها تعرفت على طرق التعبير المدنية السلمية وجربت نجاعتها ونجاحها، تأخير المواجهة سببه أن مشايخ الكرامة يعيدون ترتيب الصفوف، بالإضافة للضغوط التي يتعرضون لها يوميا بأن المواجهة قد يكون ثمنها دماءً غزيرة وبيوت مدمرة وتهجيرا.

3 – أما الاحتمال الأخير فهو في تسوية بين النظام والسويداء، يعطي النظام من خلالها حكما شبه ذاتي للمحافظة بحيث يقوم المشايخ بالإضافة لقوى تشكلت خلال السنوات الأخيرة بإدارة المحافظة و يكون وجود النظام رمزياً فقط، وقد يقدم النظام كبش فداء مقابل ألا يكون هناك مواجهة مع النظام. وعلى ما يبدو أن عراب هذه التسوية هو اللبناني وئام وهاب، تسوية لا نستطيع التنبؤ ببنودها بالضبط فهذا عائد ككل تسوية لتقدير كل طرف لموازين القوى ولدخول أطراف دولية على خط المفاوضات ونقاش تفاصيل كثيرة عالقة، لكن المهم أن النظام سيترك ميليشيا تابعة له تعرقل أي توجه أو قرار لصالح المحافظة، هكذا هي ذهنيته وسياساته..

الرحمة للشيخ الشهيد وحيد البلعوس شيخ الكرامة بامتياز، الرحمة لكل شهداء سوريا، قدر البشر أن يصعدوا ويرتقوا لكن على درب الآلام .

To Top