مقالات رأي

الأسد بين تموضعين / شوكت غرز الدين

1185

اتخذ “النظام السوري” تموضعاً استراتيجياً له، يقوم ويرتكز على ثلاث مقولات هي “السيادة الوطنية والمقاومة والممانعة وحماية الأقليات”. وتم توظيف هذا التموضع منذ قيام “ثورة الحرية والكرامة” في تقديم رأس النظام وبقاءه على رأس الهرم بوصفه “ضرورةً موضوعيةً” بحجة الحفاظ على أمن واستقرار سوريا والمنطقة.

إنه تموضع استباقي يحيل إلى المواجهة والاشتباك العسكري ضد التحالف الدولي/العربي. ثم اتخذ “النظام السوري” له تموضعاً مغايراً ومخالفاً للتموضع السابق بالتساوق مع إكمال مهمة تسليم الأسلحة الكيماوية والانضمام إلى “منظمة حضر السلاح الكيماوي” أولاً، وثانياً مع بدء ضربات التحالف الدولي/العربي الذي تقوده “الولايات المتحدة الأمريكية” لمواقع تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو ما اصطلح على تسميته “داعش ISIS” الواقعة تحت السيادة السورية والتي من المحتمل أنْ تمتد هذه الضربات لتطال مواقع التنظيم في شرق المتوسط ولا تقتصر على العراق وسوريا. وهذا التموضع الجديد يختلف عن القديم بالارتكاز ولكنه يتفق بالوظيفة؛ فهو يقوم ويرتكز على مقولات المنفعة والخروج بأقل الخسائر والبحث عن مقعد إلى جانب قائد التحالف…إنه تموضع مكيافيلي براغماتي واقعي يرتكز إلى عدم التكافؤ في موازين القوى بين النظام السوري وحلفائه العضويين كروسيا وإيران وملحقاتهما، وبين التحالف وملحقاته. ويرتكز أيضاً إلى مفاعيل الزمن ودورها وإلى المصلحة المتبادلة والمشتركة بين التحالف وبينه. ويتم توظيف هذا التموضع الجديد للمحافظة على رأس الهرم “كضرورة موضوعية” على الرغم من الاختلافات المتناقضة بالمرتكزات. فإذا أجرينا مقارنة بين التموضعين نجد أنه ثمة تناقض بينهما، فكيف انتقل النظام من السيادة الوطنية إلى الدعوة للتنسيق مع التحالف على سوريا، وكيف انتقل من المقاومة والممانعة إلى تسهيل مهمة التحالف وفسح الطريق أمامه، وكيف انتقل أيضاً من حماية الأقليات إلى التخلي عنها تماماً؟!! هنا يجب الانتباه إلى أنَّ الثابت في السياسة السورية رغم المتغيرات الكثيرة -منذ الأسد الأب- هو عدم الاشتباك مع المجتمع الدولي وعدم الدخول ضده في مواجهة عسكرية، ومحاولة التداخل معه لتحقيق مكاسب له بقدر ما تسمح ظروف كل حالة من حالات المواجهة. وعلى ما يبدو أن هذا الثابت إيراني روسي ويحكم حزب الله أيضاً. بهذا الصدد طالعنا وزير الخارجية السوري استناداً إلى التموضع الأول: “من يريد الاعتداء على سورية لا يوجد لديه مبرر إلا بالتنسيق معنا”… وقالت “بثينة شعبان”: “دمشق قد تسقط الطائرات الأميركية، لأنها أتت من دون إذن، واعتدت على سيادة سورية”. والجميع رأى كيف ترك النظام السوري “حامي حمى الأقليات” أكراد كوباني (عين العرب) ،وهم أقلية بالنسبة للسوريين العرب، تواجه مصيرها؛ بعد أنْ مارس هذا النظام سياسة الأقلية القاصرة Minority)) ضد الأكثرية الراشدة Majority)) سياسة الدولة التي تقف ضد الأمة بدل أن يمارس سياسة الدولة/الأمة على مدار سنوات حكمه. بالمجمل -قبل بدء التحالف الدولي/العربي بالهجوم على مواقع ضمن سوريا- يبدو أنَّ الحرب على الأبواب وأن النظام السوري جاهز للمواجهة مع التحالف يسانده بتوجهه هذا روسيا وإيران وملحقاتهما. وقد كان يقدم نفسه كضحية لمؤامرة كونية تقودها أطراف دولية وإقليمية وعربية ويتم تنفيذها بأياد سورية، وأنه مضطر لمواجهة هذه المؤامرة ومقاومتها وممانعتها ليحافظ على أمن واستقرار سوريا وسيادتها الوطنية ويحمي أقلياتها من المؤامرة. أما بعد بدء التحالف الدولي/العربي بالهجوم تبين أنَّه ليس ثمة من مواجهة أو اشتباك وأن المؤامرة تحاك على الشعب السوري ومصيره واستقراره وحريته بأيادٍ كثيرة جداً أولها أيادي النظام نفسها.

من هنا يمكن تمييز التموضع الجديد للنظام السوري من خلال نقاط ثلاث: 1- يقدم “النظام السوري” نفسه على أنه و”التحالف الدولي” بخندق واحد؛ أي ذات المصلحة وذات سلم الأولويات. فقد أعلن “فيصل المقداد”: إنَّ “سورية ليس لديها تحفظات اٍزاء توجيه ضربات جوية أميركية ضد تنظيم الدولة فوق أراضيها”، كما وصف رئيسه بشار الأسد بأنه “حليف طبيعي” للولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة، ودعا إلى التنسيق بين الجانبين، حتى لا تقع أخطاء، على حدِّ قوله. وقد ورد في صحيفة “الوطن السورية” بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول عنواناً يخالف تصور المؤامرة وتصور السيادة الوطنية: “واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري لمكافحة الإرهاب”. وبدأت مهزلة أنَّ الأمريكيين أخبرونا واستأذنونا ونسقوا معنا… يعتقد النظام أنَّ تموضعه الجديد يخدمه بإمكانية توجيه نتائج التحالف وضرباته لمصلحة بقاءه “الضرورية” من جهة، والحفاظ على السيادة الوطنية، والممانعة والمقاومة، وكونه حامٍ للأقليات، من جهة ثانية. 2- استمرار النظام بالتدليل على أن موازين القوى المباشرة تصب في مصلحته من جوبر للقنيطرة لعدرا لريف حماة …الخ. فهو يعرف أنَّ الحسم يرتبط ويتعلق بموازين القوى وليس بالتصريحات الإعلامية؛ لذلك يؤكد على أنه الأقوى وأن أي حل سياسي إنْ كان على طريقة جنيف، أم عسكري، إذا تدحرجت الكرة بطرق غير متوقعة بالنسبة له، يجب أن يأخذ “بقاءه الضروري” بعين الاعتبار. 3- يراهن على مفاعيل الزمن في أنْ تصب في صالحه؛ أي بقاءه “الضروري والمفيد” كإرهابي علماني يخدم “الإرهاب الديمقراطي” متمثلاً بمجلس الأمن ضد “الإرهاب الإسلامي” متمثلاً بتنظيم الدولة، ويعرف تماماً دور الزمن في قلب الحقائق وتغيير موازين القوى والتأقلم مع الواقع.

وهكذا هل يساعد تموضع النظام الجديد في تحريك الاوضاع والاستفادة منها فيخلق أوضاعاً جديدة غير متعينة سلفاً يمكن اقتناصها لخلق واقع يكون لمصلحته, ولاسيما أن النظام لا يريد بأي حال من الأحوال الاشتباك مع التحالف الدولي؟! ألا يمنحهم الاشتباك والمواجهة فرصة التأثير اللاحق على الأحداث أكثر من التداخل بالتنسيق؟! أليس ثمة من علاقة بين “الإرهاب الإسلامي” مجسداً بتنظيم الدولة في سوريا وبين “الإرهاب العلماني” متجسداً بالنظام السوري و”الإرهاب الديمقراطي” متجسداً بمجلس الأمن وقيادته؟!. أسئلة استنكارية وسياسات مستنكرة برسم الإجابة عليها من قبل الشعب السوري.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top