تقارير

أكاديمية عبد الرزاق العسكرية .. مصنع لإنتاج آلات قتل محترفة

عمر العبد الله

لم يعد يخفى على أحد قيام أطراف الصراع في سوريا بتجنيد الأطفال، سواء الفصائل المعارضة أو الميليشيات المؤيدة للنظام، كلا الطرفين اعتمد على تجنيد الاطفال لتوفير الموارد البشرية المطلوبة.

في منطقة احتيملات شمال شرق مدينة حلب، أنشأ الرقيب المنشق عن الجيش السوري عبد الرزاق أكاديميته العسكرية لتدريب الأطفال على القتال، في مدرسة مهجورة في البلدة الصغيرة التي لا يتجاوز تعداد سكانها 3500 نسمة وتخضع لسيطرة الجبهة الشامية. أطلق عبد الرزاق على مدرسته اسم أكاديمية عبد الرزاق العسكرية، ويركز عبد الرزاق على ضم الأطفال والشباب لأكاديميته، ويتلقى الأطفال في الأكاديمية ساعتين من التدريبات العسكرية يوميا. 

الأكاديمية تضم في صفوفها حاليا ما يقارب 150 متدربا غالبيتهم من الأطفال، يسعى عبد الرزاق الى تحويلهم الى آلات قتل متنقلة حسب قوله. رفض عبد الرزاق الحديث إلينا بشكل مباشر حول مدرسته على الرغم من افتخاره الشديد “بإنجاز عمره” حسب وصفه. في المنطقة تحدثنا الى سكان المدينة الذين التحق أبناؤهم بأكاديمية عبد الرزاق العسكرية.

أبو أحمد، في الخامسة والخمسين من عمره يملك دكاناً للبقالة في البلدة، روى لنا لماذا أرسل اصغر أبنائه سعيد 14 عاما الى أكاديمية عبد الرزاق العسكرية: “عندي أربعة أولاد ذكور وثلاث بنات، أولادي الذكور استشهدوا جميعا في المعارك مع النظام ومع داعش، سعيد أصغر أولادي، لا مدرسة تؤويه، من الافضل له التدرب على استخدام السلاح والالتحاق بإحدى فصائل الجيش الحر، قبل أن تدخل داعش الى المدينة ويساق إبني إلى الإعدام، أفضِّل أن أراه على الجبهات بدلا من المنزل أو السجن”. بينما أم أحمد 49 عاما وهي ربة منزل، تخالف زوجها بالكامل حول التحاق سعيد بالأكاديمية العسكرية في البلدة، تقول أم أحمد “عبد الرزاق شخص مجنون يجب منعه من تجنيد الاطفال، إنهم أطفال وهو يتفاخر بأنه سيجعل منهم قتلة محترفين، لا أدري ما هو الشيء العظيم الذي يحبه زوجي في هذه الاكاديمية؟ لا زلت لا أفهم كيف يمكن لأب أن يرسل طفلا في الرابعة عشر من عمره ليصبح آلة قتل؟”. ينتهي حديثنا مع العائلة بشجار بين أبو أحمد وزوجته حول أكاديمية عبد الرزاق.

 أما عمر وهو طالب في الإعدادية ويبلغ من العمر 15 عاما، فيقول أنه احترف استخدام الكلاشنكوف AK47 بعد أقل من شهر على التدريب: “بعد أقل من شهر، صرت أحسن طالب بين طلاب الأكاديمية، كان الرقيب عبد الرزاق يقول لي دائما يجب أن تتعلم استخدام القناصة فرصاصتك لا تخيب، المشكلة في القناصة بالنسبة إلي أنها كانت ثقيلة ولم أستطع السيطرة عليها، أما الكلاشنكوف فأصبح كاللعبة في يدي وكأني ألعب واحدة من ألعاب الكومبيوتر القتالية”. يروي لنا عمر تفاصيل التدريبات التي شارك فيها في الأكاديمية بحضور شقيقيه الاكبرين عمار 36 عاما، كان يعمل نجارا قبل التحاقه بلواء التوحيد، وعمران 32 عاما كان يعمل حدادا قبل انضمامه أيضا الى لواء التوحيد. يقول عمر: “في البداية كانت التدريبات كلها رياضية كتسلق سور مرتفع والقفز خلال النيران، بعد انتهاء الأسبوع الثاني بدأنا نتدرب على طريقة فك وتركيب كل من المسدس والكلاشنكوف، خلال ذلك الأسبوع كنت أشعر أنني أصبحت جاهزا للالتحاق بجبهات القتال، لكن الرقيب عبد الرزاق كان دائما يقول لنا إنه لن يسمح لنا بالالتحاق بأي تنظيم أو جبهة قتال إلا بعد انتهاء التدريب كاملا، في الأسبوع الرابع أصبحت أفضل من يستخدم الكلاشنكوف رغم وزنه الثقيل، كنت قادرا على إصابة 26 هدفا من أصل 30، كان الرقيب عبد الرزاق يهتم بي بشكل خاص لأنني كنت الأفضل حسب قوله، في الشهر الثاني بدأت بالتدرب على استخدام السكين في الاشتباكات المباشرة، لم أعد أخاف من رؤية الدم، أصبح الامر عاديا بالنسبة إلي، أريد الالتحاق بلواء التوحيد أو أن أذهب الى حلب للقتال هناك في جبهة صلاح الدين أو جبهة العامرية، لكن أمي ما زالت ترفض، ما زالت تظن أنني طفل وأنني يجب أن أكون في المدرسة وليس على الجبهة، لا أدري كيف ستسمح لي بالذهاب، ربما يجب علي الفرار من المنزل”. والدة عمر، السيدة خدوج 57 عاما، تقول إن أشقَّاء عمر هم من يتحملون مسؤولية الزج بعمر في هذه الأكاديمية: “أولادي هم من قاموا بتسجيله في هذه الأكاديمية، من أجل الانتقام لعائلتنا التي فقدت ما يقارب 9 أشخاص في قصف النظام للمنطقة، أخشى أن يقوم أحد ما باستهداف المدرسة ويقتل عمر في هذا الهجوم، هما الاثنان – تشير الى ولديها الكبيرين عمار وعمران – يتحملان مسؤولية ما سيحصل له، كنت أريده أن يتابع تعليمه لكنهما دفعاه الى تعلم ممارسة القتل، أنا إنسانة أمية لا أقرأ ولا أكتب، لكن إحساسي لا يخيب، من سيوقف هؤلاء الاطفال بعد أن يتحولوا الى قتلة محترفين، اعتادوا مشاهد الموت والدم والاشلاء، لن يتمكن أحد من إيقافهم، سيكونون خطرا على الجميع”. بدون مبالاة يغادر كل من عمار وعمران الجلسة متجاهلين حديث والدتهم.

لا تعاني أكاديمية عبد الرزاق كثيرا للحصول على طلابها، فالالتحاق بها مجاني بالكامل، ويجب على عائلة الطفل أن تقوم بتسجيله، فالأكاديمية ترفض التحاق طفل بها دون موافقة عائلته، وعدد المنتسبين إلى الأكاديمية يزداد يوما بعد يوم. لا تحتاج الأكاديمية إلى تمويل، فهي تعمل ساعتين فقط كل يوم، والأسلحة التي يتدرب عليها الأطفال متوفرة بكثرة في الأسواق، وفي كثير من الحالات يحضر الطفل سلاحه معه من المنزل، حيث تقوم العائلة بتأمين السلاح لطفلها المقاتل، أو عن طريق إحدى الفصائل المقاتلة شرط التحاق الطفل بهذا الفصيل فور انتهائه من التدريب.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top