لعل الامر الوحيد الذي يمكن ان يتفق عليه الجميع بالنسبة لمقاربة الوضع السوري هو مدى التدهور والفوضى التي وصلت اليها الامور، والتي اضحى معها من الملح البحث عن مخرج يحفظ ما تبقى من الدولة السورية التي اصبحت اركانها مهددة بالزوال، سواء بمشاريع التقسيم الجغرافي والطائفي أو نتيجة نزوح نصف الشعب الى خارج القطر أو نتيجة تعدد مراكز السلطة وتشرذمها.
ومع تعدد الطروحات واتساقها مع اجندات سياسية معينة بغية تحقق مصالح هذه السياسيات أصبح ظاهرا للعيان ان كل هذه الاطروحات هي قاصرة وغير قادرة على مقاربة الواقع بشكل صحيح أو تشخصيه بطريقة واقعية بحيث تستطيع ايجاد الدواء المناسب، لذلك لا بد من ايجاد طرح جديد يعمل على تشخيص الواقع بشكله السليم والعمل على ايجاد الاطار العام لأي حل يمكن اي يوجد او ان يكون قابلا للنجاح، ولضمان ذلك لا بد من تظافر عدد من المكونات معا وهي :
أولا: تحديد رؤية عامة مشتركة تتحدد من خلالها الصورة العامة للوضع الراهن الذي وصلنا اليه وفي نفس الوقت التفريق بين ما نحلم به وبين ما يمكن تحقيقيه، وما هي الثوابت التي لا يمكن ان نتنازل عنها، وما هي الامور التي يمكن مناقشة امرها، وبالتالي تحديد ماهية مستقبل سوريا التي نريدها ولو كان هذا النقاش بالاطار العام دون الدخول بالتفاصيل التي تفرق اكثر مما تجمع.
ثانيا: العمل على ايجاد حامل مجتمعي لهذه الرؤية، ولا يمكن ان يتم ايجاد هذا الحامل الا بتوافق الرؤية مع رغبات المجتمع السوري وتطلعاته واحلامه.
ثالثا: حشد القوى السياسية والعسكرية السورية خلف هذه الرؤية والعمل على ان تتبنى جميع قوى الثورة هذه الرؤية، اي العمل على ايجاد مشروع سياسي للثورة السورية.
ولكن يبقى السؤال الاهم من هي الاطراف التي ستقوم بالمبادرة لإنجاز ذلك، قد يجادل البعض بالقول انه الائتلاف الوطني باعتباره الجهة التمثيلية السياسية الاكبر للثورة السورية، وهذا صحيح.. لكن الائتلاف الوطني عجز حتى الان ان يفرض نفسه كجهة حقيقية لتمثيل الشارع السوري، وحتى ان اي حل يطرحه الائتلاف بات محل هجوم اكثر منه محل توافق.
قد يقول البعض ان القوى العسكرية الكبرى هي المخولة في حمل لواء هكذا المشروع والسير فيه باعتبارها صاحبة القرار على الارض وهذا صحيح، ولكن هذه القوى عجزت عن طرح حل سياسي قابل للتطبيق، بل ان الصراعات الايدلوجية بين هذه القوى اوصلتها الى حالة من الشلل السياسي، وبالتالي الى العجز عن حمل لواء هكذا مشروع.
وقد يجادل البعض ان الشيخ معاذ الخطيب هو الاقدر على القيام بذلك لما يحمله الرجل من مكانة كاسحة لدى قطاع كبير من الشعب السوري بما فيهم قسم من المؤيدين العقلانيين، وهذا صحيح، لكن الشيخ معاذ الخطيب رغم جهوده الجبارة في البحث عن حل ينهي المأساة السورية الا ان تلك الجهود ستبقى محل هجوم على اعتبار الشيخ معاذ فرد واحد ولا يحق له النطق باسم الشعب السوري بكامله او التفاوض باسمه.
لذلك اعتقد ان الطريق الاسلم والانجح لبناء مشروع سياسي للثورة السورية هو في طرح من الداخل تتبناه رموز وشخصيات ثورية، ويحدد هذا المشروع اطار عام للصراع وسبل الحل، وتقوم كل من الاطراف السابقة بتبني هذا الطرح، وبذلك يصبح لهذا الطرح اهم عاملين للنجاح وهما القاعدة الشعبية الحقيقية والواجهة السياسية المناسبة، وبذلك يمكن الوصول الى نتيجة مفادها ان اي حل يراد له النجاح لا بد ان يكون نابع من الداخل اي من المعاناة الحقيقية التي يعيشها السوريين، فأهل مكة ادرى بشعابها، وان كل جهد سواء كان دولياً كمبادرة دي ميستورا او مبادرة معاذ الخطيب او طرح الائتلاف.. اذا لم يكن متناسقا مع طرح من الداخل فان هذا الجهد سيبقى ناقص وغير عملي.
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق