طلعنا عالحرية ممنوعة من النشر بسبب «المتبرجات»
افتتاحية بقلم: ليلى الصفدي
كنا نضع اللمسات الأخيرة على عددنا هذا (التاسع والأربعين) من مجلة طلعنا عالحرية.. حين علمنا أن العدد السابق قد مُنع من النشر في حلب وريفها.. وأن خمسة آلاف نسخة منه لن ترى النور هناك.
وحين سألنا عن السبب اتضح أن إحدى الجهات النافذة هناك تعترض على وجود صور لنساء «متبرجات» على صفحات المجلة..!
طبعا كان ردنا الأولي هو الإنكار.. فصحيفتنا نشرة ثورية تعنى بشؤون الثورة السورية ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بصور الإثارة والعارضات المتبرجات.. لكننا انتبهنا بعد إعادة الفحص إلى وجود صورة تضم الناشطتين المختطفتين من دوما «رزان زيتونة» و»سميرة الخليل».. وصورة أخرى لمقاتلات كرديات في كوباني، ولوحة فنية غير واضحة المعالم للفنان السوري «ديلاور عمر».
لا يفسّر الأمر هنا فقط في رفض المتطرفين للثقافة الغربية (التي قد يفترضون أن الصور تتشبه بها).. ولا هي عودة إلى نصوص الدين الذي نعلم أن «لا إكراه فيه».. ولا هي عمل بقوله تعالى: {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد}، إنما هي قطيعة قسرية يريد فرضها التعصب.. قطيعة مع ذواتنا وعاداتنا، مع حياتنا وتاريخنا… ومع آمالنا..
وإذ تتعلق قضية هذا المنع بناشطتين مختطفتين تعتبران من أيقونات الثورة السورية، فإن الأمر مرة أخرى يبدو اعتداء على أهم قيم الثورة التي نهض الشعب من أجلها.. الحرية والكرامة وحق الاختلاف.. الحد من طغيان الممنوعات وتيسير حياة الناس ومطالبها الأولية، احترام خصوصياتها ومعتقداتها وفرادة شخصياتها التي لا تعتدي على الحيز العام.
وإذ نتطرق في هذا العدد إلى العمل الصحفي في سوريا وغياب حماية الإعلاميين في مواجهة الموت الزاحف من كافة الأطراف، فإننا نعلي الصوت مجدداً من أجل احترام الصحافة المكتوبة وحرية التعبير وحماية الكلمة التي دفع السوريون زهرة شبابهم من أجلها..
بين حرصي على سلامة طاقمنا في الداخل، وتلبية رغبتهم المعتادة في التمهل، وجدتني وإذ أكتب هذه الافتتاحية، أرفض مادة أدبية جميلة لأنها تزينت بشيء من الغزل.. على كل حال هو غزل أقل صراحة من غزل أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة.. هكذا يتسلط الاستبداد مرة أخرى.. وهكذا يتسلل إلى نفوسنا.
أجدني في ذات الوقت بحاجة للصراخ والغضب، وإن كنا بعد أربع سنوات من الظلم والقهر مضطرين لكبت كلماتنا وآهاتنا، بينما لا يمنع غيرنا نفسه من صب الرصاص وقطع الأعناق لفرض سطوته واستبداده..
ويبقى السؤال المحير.. إن كانت جماعة هنا أو ألف هناك سوف ترسم ملامح السوريين وتشوهها.. فأين باقي الجموع؟.. أين ملايين السوريين التواقين لحياة البشر العاديين؛ لحياة البسطاء الطيبين.. الخطائين، وما هو موقفهم ممن يدعون أنهم أوصياء على دين الله على الأرض؟!
لنصرخ وإياهم.. لنجمع طاقاتنا.. ولنضع يداً بيد.. وإلا لنتشح بالسواد الأعظم، أو نلبس الأكفان.. وساعتها تكفّ الحياة عن اعتناق الألوان وتكتفي بالضدّين!
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.