يتنامى النقاش والكلام حول “حماية العرض والأرض” في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية. ويتعلق هذا التنامي بمسألتين أساسيتين مترابطتين:
المسألة الأولى هي التخوف والقلق على “العرض والأرض”، لدى أبناء وبنات المحافظة ومغتربيها، من الخطر المحتمل الذي تشكله قوى الثورة العسكرية ولا سيّما الإسلامية منها، وذلك إذا ما أتيحت الفرصة لهذه القوى بتحرير المحافظة من سيطرة النظام عليها. ويمكن إضافة أنَّ هذا التخوف والقلق رافق ظهور “الجيش الحر” ثم ظهور “الكتائب الإسلامية” ثم ظهور “جبهة النصرة” والآن ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو ما يختصر بكلمة “داعش”.
أما المسألة الثانية فهي التصور المكَّون عن “الدروز” عند بعض قوى الثورة والأفعال التي قامت بها استناداً لتصورهم هذا، من جهة، والتصور المكَّون عن قوى الثورة عند “الدروز” أنفسهم ومحاولات تحويل تصورهم إلى فعل يرشده مبدأ “حماية العرض والأرض” من جهة أخرى.
ويتلخص التصور عموماً، عند بعض قوى الثورة، أن “الدروز “ عبارة عن “حصان طروادة” يهدف لتقويض الوطن، أو “طابور خامس” شغله التجسس على أبناء الوطن لصالح أعداءه، أو “حركة شعوبية”، حسب “أحمد أمين”، بيد الفرس للنيل من وحدة الأمة؛ أي، خنجر بخاصرة الأمة. ويتغذى هذا التصور البائس من الجهل وبعض وقائع التاريخ وبعض الفتاوى” بحق “الدروز” ويُهمل واقع أن “الدروز” جزء لا يتجزأ من المنطقة.
ويتلخص التصور المضاد، عند “الدروز”، عن قوى الثورة، أنها قوى إسلامية لا تقبل “الدروز” بينها، وأنهم إذا حاولوا دخول المحافظة واقتحامها سينكلون بأهلها قتلاً وتعذيباً وتهجيراً… ويُهمل هذا التصور واقع أنَّ هذه القوى في ثورة.
وهكذا تكوَّن وانتشر مبدأ “حماية العرض والأرض” في محافظة السويداء ليرشد “الدروز” في فعلهم المضاد لهذا التصور وللأفعال التي تؤكده. وانطلاقاً من هذه الحالة يمكن لنا تقديم الملاحظات النقدية التالية لهذا المبدأ:
1 – يؤكد هذا المبدأ هذيان التصور القائم عند بعض قوى الثورة، بدل أن يقوضه. فهو مبدأ حصري “يخص الدروز” ضد أكثرية المنطقة التي ينتمون لها، ويتماهى مع الطائفة لا مع ابناء الوطن.
2 – استخدام هذا المبدأ كذريعة لمشاركة بعض “الدروز” في أعمال القتل والتعذيب والخطف والنهب…
3 – اقتصار هذا المبدأ على الحدود الإدارية الخاصة بالمحافظة؛ أو ما يمكن تسميته خطوط التماس مع محافظتي درعا وريف دمشق من جهة، والبادية والأردن من جهة أخرى.
4 – اختزال مفاهيم الحرية والكرامة والمواطنة بهذا المبدأ المحلي. وعدم الانطلاق منه بوصفه دفاعاً عن النفس يتأسس على مفاهيم العروبة والإسلام والمواطنة.
5 – يبرر “للدروز” التقوقع ويدعوهم للانعزال والاعتزال والادعاء بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتحاربة.
6 – يدعو بعض “الدروز” إلى التمادي في التفكير بتشكيل “كيان درزي” واختلاق عدو وهمي يتمثل في “البدو” من أبناء وبنات المحافظة والمحافظات المجاورة.
7 – ينطلق هذا المبدأ من قناعة راسخة أنَّ “حماية العرض والأرض” لا تكون إلا بالسلاح. ولكن السلاح غير متوفر؛ فعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات ونصف لم توجد جهة تريد تسليح المحافظة شعبياً للدفاع عن نفسها ضد الأخطار المحتملة، وجلَّ ما تريده هذه الجهات هو تسليح بعض المجموعات من المحافظة لاستثمارها. وتجربة “عين العرب/كوباني” ماثلة للعيان.
8 – ينفصل هذا المبدأ عن التاريخ الوطني المليء بالتضحيات الذي يفتخر “الدروز” به؛ إنه التاريخ المليء بمقارعة الاستعمار، والترادف على المشروع القومي العربي وقضية فلسطين، وتحولهم إلى مواطنين يطلبون المساواة فيما بين أبناء الوطن الواحد.
9 – إنَّ هذا المبدأ مبدأ إجرائي للتعبئة الطائفية والمذهبية والتبرير، وهو احترازي لمواجهة خطر محتمل موجود بالتصورات وغير موجود بالواقع.
شوكت غرز الدين، كاتب سوري، ماجستير في فلسفة العلوم، الايبستمولوجيا.