تقارير

أحلام..

عبدالله الحافي – متطوّع في الدفاع المدني السوري – الغوطة الشرقية

عندما انتقلت الثورة السورية من مرحلة التفكير إلى مرحلة التظاهر تحولت كثير من الأحلام إلى واقع.. أحلام التغيير والتأثير والتطوير.. وبدأ الشعب السوري الحر يحلم بغدٍ أجمل، باعتقاد بسيط، وربما ساذج، أن نظام البعث الأسدي سيتخلى عن كرسيه الذي احتله قبل خمسين عاماً استجابة لمطالب مظاهرات شعبية في معظم الأراضي السورية.

ولكن الحلم انتقل إلى كابوس عندما اختار النظام السلاح في مواجهة الحراك المدني، فاضطر الحراك المدني إلى الانتقال إلى مرحلة الدفاع عن النفس، وبدأ حلم جديد أننا سنستطيع ببضع أسلحة فردية تحرير سورية.

ولكن هذا الحلم أيضاً انقلب إلى كابوس عندما رد النظام بالسلاح الثقيل، وانتقل حلم المناطق المحررة والإدارة الثورية إلى كابوس أكبر؛ وهو القصف المركز والتدمير الممنهج والمجازر اليومية..

وهنا بدأت الحكاية وولد الحلم الأجمل عندما تحول الناشطون المدنيون العاملون في مجالات شتى من أعمالهم وحرفهم ومؤسساتهم الإغاثية والخدمية والطبية إلى باحثين عن الحياة تحت الركام، لتولد في حلب وإدلب وريف دمشق وخمس محافظات سورية أخرى حكاية القبعات البيضاء..

تأسس الدفاع المدني كحالة عفوية، وتطور ليتحول إلى المؤسسة السورية الوحيدة التي تنتشر من شمالي إدلب إلى جنوبي درعا بنظام واحد وشعار واحد وهدف واحد “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”. وقدمت هذه المؤسسة الغالي والنفيس من الجهود والدماء، لتكسب قلوب وثقة السوريين، مدنيين وعسكريين، لالتزامها مبدأ الحيادية والإنسانية والمصداقية. ولتمدّ أيديها للجميع في سبيل إنقاذ الإنسان. وأصبح لهؤلاء الشبان اسم له الكثير من المصداقية عند وكالات الأنباء العالمية، وأصبح أي خبر تسبقه عبارة “نقلاً عن الدفاع المدني السوري” يعني عند الجميع الصحة والصدق والحيادية.

فتمّ ترشيحهم للعديد من المناسبات؛ كشهادة قائد الدفاع المدني رائد الصالح في الأمم المتحدة.. حتى نال الدفاع المدني في عام 2016 جائزة نوبل البديلة، وتمّ ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، وهنا عاد مسلسل الأحلام والأمنيات؛ فجميع العاملين في الدفاع المدني يستحقون هذه الجائزة، بل ربما يستحقون أكبر منها؛ فهم الباحثون عن الحياة، وأصحاب القلوب والقبعات البيضاء الذين أنقذوا خلال أقل من عام 62 ألف إنسان من تحت ركام قصف النظام المجرم..

وبدأ الوقت يمر بطيئاً، وتجمدت العقارب صباح يوم الجمعة 7-10-2016، والكل يترقب في مراكزه خبر الساعة الثانية عشر ظهراً، وهو شبه متيقن أن الحلم سيتحقق.

ولكن الحلم كان حلماً، وحصل رئيس كولومبيا على الجائزة..

بكيت لمدة ساعتين وراجعت كل معلوماتي وذكرياتي.. هل هي مؤامرة جديدة ضد الشعب والثورة السورية؟ أم هو المنطق والواقع؟ ماذا قدم هذا الشخص أكثر من الدفاع المدني؟ هل هو يستحقها أكثر منا؟!..

هنا تذكرت قصة الأحلام في الثورة، وكيف استطاعوا بسبب قلة خبرتنا إيصالنا إلى نشوة الحلم وإسقاطنا بعدها في بئر الواقع.

ولكن بعد أول استهداف للنظام إلى المدنيين وجدت كل الوحدات في الدفاع المدني من إسعاف وإطفاء وإخلاء وإنقاذ.. تتوجه إلى تحت الركام، وكأنها تبحث عن الجائزة! وفعلاً تذكرت أننا وجدناها في أول ركام منزل خرج منه ناجون..

وكانت الجائزة شعارنا: ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً!

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top