نوّار عقل – السويداء
تسكن في شرقي محافظة السويداء مجموعة كبيرة من البداوة، من عشائر مختلفة؛ (الهتم، الغياث، العدوان، الحسن) وهي عشائر لها امتداد مع عشائر الأردن، وبادية حمص. ويعتمدون على قرى الجبل الشرقية في حاجاتهم المختلفة، كما وتربطهم مع أبناء الجبل علاقات قديمة قائمة بمجملها على التعاون والصداقة والمصالح المتبادلة.
حاولت الإشاعات التي يبثها النظام دائماً تصوير البادية بكونها مليئة بمقاتلي داعش، الذين يتجهزون للهجوم على الجبل، ترافق ذلك مع تهديدات لونا الشبل المقربة من الأسد لأهالي السويداء. بعدها تمت السيطرة على منطقة القصر من قبل تنظيم داعش، على الطرف البعيد من الجبل، ونزح الكثير من أهالي القصر إلى المنطقة شرقي الجبل، واستمر البداوة بالقدوم إلى بعض القرى التي كانت واعية لإشكالية قطع الصلات مع البادية ولا أخلاقيتها. استمر مجيؤهم وذهابهم بشكل آمن لقضاء حاجاتهم المختلفة.
قبل أكثر من عام أعدت قناة الميادين تقريراً مطولاً ومصوراً عن الخطر القادم من الشرق؛ حيث أوضحت أن الاشتباكات لا تهدأ بين أشبال الدفاع الوطني والأهالي، وبين داعش، الذين لا تفصلهم سوى مئات الأمتار. وأخذت للأبطال المزعومين لقطاتٍ وأيديهم على الزناد وعيونهم على العدو. وقد كان هذا محط سخرية من الأهالي ليس أكثر.
بعد هذا التقرير بأشهر نصب الدفاع الوطني على طريق البادية كميناً قُتل به رجل وطفلة. واستثمرت الجريمة إعلامياً باعتبارها عملية نوعية قُتل فيها بعض الإرهابيين ولاذ الآخرون بالفرار، وبمجهود كبير من الأهالي تم استرجاع الجثامين ليتم دفنها بشكل لائق.
غير أن هذه القرى أصبحت، وبشكلٍ لافت ومميّز بعد هذه الأحداث، لاسيما بعد معركة مطار الثعلة، ممراً للسلاح القادم من السويداء ودرعا، إلى البادية ومن ثم إلى داعش. وتعدُّ تجارة وتهريب السلاح عملاً مزدهراً لبعض الأنذال المدعومين أمنياً من قبل النظام وبشكل واضح وصريح. ولم تعد تقتصر على نقل الذخيرة أو السلاح الخفيف، بل تعدت ذلك إلى السلاح المتوسط، من ألغام وصواريخ ومتفجرات وبشكل يومي وبكميات كبيرة. وحالات الاعتقال غير المتوقعة، من جهات مختلفة، والتي كانت تحدث لبعضهم صدفة، ويتم ضبطهم بالجرم المشهود، كانت تنتهي ببساطة شديدة، وباحتفالات يلحقها إطلاق النار ابتهاجاً بالتحرير! وتعدّ مدينة شهبا أكبر مثال على الاختراقات التي تقوم بها العصابات، والتي بدأت مسيرتها إما تشبيحاً، وإما مع الدفاع الوطني، ثم تفرغت لأعمالها الخاصة مدعومة برموز السلطة السياسية والأمنية في السويداء. من سرقة وتهريب وترويج للمخدرات …إلخ (وعلى عينك يا تاجر). ومن المتوقع أن هذه المظاهر الاستفزازية قد تنقلب لصدام مسلح مع الأهالي في أي لحظة.
في الآونة الأخيرة، تم نقل ميليشيا الدفاع الوطني الذين لا تتجاوز أعدادهم الآن مئتين وخمسين عنصراً في كل المحافظة، وذلك بعد عمليات الاستقالة والإقالة التي حدثت. تم نقلهم إلى قرى السويداء الشرقية، هذا ما أثار مشكلة مع الأهالي الذين يعون خطورة مثل هذا التغيير الحاصل. وقد صرح قائد الميليشيا في المنطقة الشرقية العميد رياض الطويل أنه سيقوم بسياسة الحصار والتجويع للسكان في البادية وأن هذا القرار قرار مركزي من العاصمة.
إن هدف النقاط الجديدة التي ثبتتها ميلشيات الدفاع واضح تماماً: رعاية عملية التهريب لأخذ حصصهم منها، وبالمقابل محاولة حصار البادية والاعتداء على سكانها بكافة الوسائل. وما يثير القلق أن إعلام النظام أعدّ تقريراً مزيفاً جديداً عن طبيعة هذا التثبيت، حيث واكبه ونقله على أنه سيطرة بعد تحرير لنقاط التلال المطلة على البادية، وبالتالي سيتم التعامل مع كل ما هو شرق هذه التلال بوصفه إرهابياً.
وقد بدأ بشكل فعلي تفعيل هذه النقاط، وذلك عن طريق إطلاق النار بشكل عشوائي ومن عيارات ثقيلة على أهداف متحركة كسيارات عابرة، أو ثابتة لمناطق تجمع منازل البدو (الخيام). وبعد حادثة إطلاق النار توجه الأهالي الغيورون على السلم الأهلي، والواعون لمخططات التهجير، وإمكانية الخراب الذي من المؤكد أن عصابة الدفاع الوطني حريصة عليه، لإيقافهم عند حدهم وتهديدهم.
وقد وصل الأمر الآن بعد زيارة قائد الميليشيا في السويداء رشيد سلوم وتعزيز عناصره وزيادة التسليح، إلى حالة من التحدي واستعراض القوة، قد تتطور في أية لحظة. والجدير بالذكر أن سكان المنطقة الشرقية في قرى السويداء قد حافظوا عبر خمس سنوات مضت من الثورة على علاقات ممتازة مع سكان البادية، متصدين لكل الإشاعات والتحريضات والاعتداءات التي تنال منهم. غير أن القرار السياسي واضح بهذا الشأن؛ فحالة التجييش ضد النازحين الجدد، وحالات الاعتقالات الكثيرة والعشوائية للبدو في السويداء الحاصلة الآن لا تنذر بالخير، بالإضافة إلى الكم الهائل من التهريب للسلاح برعاية ضباط وأمنيين باتجاه داعش شرقاً، توحي بقرار واضح لتغذية الحرب الدائرة في سوريا من جهة، ومن جهة أخرى قد تؤدي إلى تغيرات جديدة في المنطقة من المرجح أن تكون مدروسة ومخططاً لها.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج