موقع مرقاب
بشكل مفاجئ، أعلن بوتين سحب معظم قواته العسكرية المقاتلة في سوريا، وقد احتل هذا الخبر الشاشات لأيام بعده، كما كان مادة هامة تناولتها مراكز الأبحاث العربية والدولية بشكل كثيف، وبسبب ضبابية الموقف الروسي وغياب المعلومات الدقيقة عن فحوى اجتماعات وزراء خارجية روسيا وأمريكا فقد أبدت مجمل المراكز البحثية اضطراباً في تحليل دوافع هذا الفعل، نجمل في هذه المادة مجمل الآراء المتداولة في المراكز البحثية العالمية.
طبيعة الانسحاب:
بحسب مركز الجزيرة للدراسات فإن مجموعة صغيرة من مستشاري الرئيس شاركت في الاجتماع الذي تمخض عنه هذا القرار، منهم وزير الدفاع، ومدير مكتب الرئيس، ورئيس مجلس الأمن القومي، ورئيس الاستخبارات الروسية، وبكل تأكيد فإن طريقة الإعلان ذاته خدمت بوتين بحسب المركز نفسه؛ إذاً فإن قرار بوتين سيطر على الواجهة الإخبارية خلال الساعات التالية ولمدة يومين على الأقل، كما عززت صورة القيادة العامة لدى الرأي العام.
الانسحاب سيكون جزئياً بحسب ما أعلن بوتين، وستستمر قاعدة حميميم العسكرية ومرفأ طرطوس بالعمل كالمعتاد، وهو ما سيتطلب حتماً حفاظ موسكو على المزيد من قواتها أكثر مما كان لديها قبل التدخل بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
حين تدخله أعلن بوتين أن الهدف هو هزيمة تنظيم الدولة، ومنع الجهاديين من الوصول إلى روسيا، وبالرغم من أن هذه الأهداف لم تتحقق، أعلن بوتين أن أهدافه قد تحققت إلى حدّ كبير ولذلك علينا أن نعرف ما هي أسباب التدخل الحقيقية بداية.
لماذا تدخلت روسيا؟
تجمع المراكز البحثية أن هزيمة تنظيم الدولة لم تكن يوماً على جدول أعمال بوتين، فالهدف الرئيس هو إنقاذ النظام السوري الذي كان في وضع سيء نتيجة تقدم الثوار الكبير قبل التدخل، بحسب فيصل العيتاني في المركز الأطلنطني.
تعتبر روسيا أن الثورات الشعبية أياً كانت هي مؤامرات غربية وموجهة ضدها في النهاية بحسب مركز الجزيرة لذلك فقد اتخذت ضدّها موقفاً مبدئياً، وفي ذات الوقت بعد عام 2014 كان العامل الأهم بالنسبة لموسكو هو مكانتها في الدبلوماسية العالمية. وفي 2015 بدأت روسيا تعيش عزلة دبلوماسية كاملة تقريباً كما يشير الباحث أليسكندر بونوف في كارنيغي موسكو، ولذلك فإن موسكو نظرت إلى تدخلها العسكري في سوريا على أنه طريقها لعودتها بقوة للساحة الدولية.
ويؤكد الكاتب نيكولاي باخوموف في مقاله عن “الاستراتيجية الكامنة خلف التحركات الروسية في سوريا” في الناشونال انتريست، أن تدخل روسيا يثبت ثلاثة قضايا استراتيجية؛ إثبات أنها قادرة على التعامل بفعالية مفهوم الدولة وفقاً للقانون الدولي فموسكو جاءت بطلب من الحكومة السورية بالنهاية، وإثبات أن موسكو قوة لا يمكن تجاهلها في الشرق الأوسط، وأخيراً إثبات أن المصالح القومية الروسية ينبغي أن تصاغ بناء على ما يتطلبه وجودها في عالم مليء بالتناقضات، وليس بناء على أحلامها بعالم أفضل.
أسباب الانسحاب
أشار بوتين إلى أن التدخل حقق معظم أهدافه، ولا سيما عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية وتنسيقها بشكل مباشر مع الولايات المتحدة بدون وجود الدول الأوروبية أو الإقليمية حتى، وقد ضمنت روسيا أن مسار فيينا وما نتج عنه من مفاوضات جنيف 3 ووقف إطلاق النار، لن يصب في النهاية إلا في صالحها، وبالرغم من أن الكلفة الاقتصادية للتدخل ليست أكبر من تكاليف التدريبات، إلا أنها تضغط على الاقتصاد الروسي المترهل بحسب كارنيغي موسكو.
الأهم بحسب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هو خلاف الأجندات بين موسكو والنظام السوري، وفيما تبدي روسيا ميلا ً نحو تحقيق حل سياسي ينطلق من موقعها كمتحكم سياسي وعسكري بالمشهد السوري، فإن إيران والنظام السوري يظهران إصراراً على هزيمة المعارضة سياسياً وعسكرياً، ونذكر أخيراً أن الهاجس الروسي من الغرق في المستنقع السوري على غرار ما حدث في أفغانستان لعب دوراً هاما في قرار الانسحاب.
تريد روسيا زعامة في سوريا من دون تورط كبير بحسب نيكولاس جفوسديف في الناشونال انتريست.
المآلات
خلافاً للسائد يعتبر الباحث ستيفن سيستانوفيتش أن خطوة الانسحاب من الممكن أن تتطور بطرق عديدة لن تكون كلها بصالح بوتين، فقد يكون بوتين مخادعاً وحينها سيكرس صورته الدولية كشخص لا يمكن الوثوق به، وقد يضعف بشار الأسد مرة أخرى وحينها سيكون على روسيا التدخل مرة أخرى والغوص أكثر في المستنقع السوري بحسب تعبيره.
يعمل الروس “بحسب مركز الجزيرة” على استغلال فترة الهدنة، من أجل إعادة تسليح وتنظيم ما تبقى من جيش الأسد، وقد تقوم الدول المؤيدة للثورة بخطوة مماثلة، ولذلك بالرغم من أجواء التفاؤل التي أشاعتها خطوة الانسحاب فإنه من الممكن في حال أخفقت المفاوضات أن تعود الحرب بصورة أشدّ.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج