أصدر مجلس الأمن قراره بتاريخ 19/12/2015 حول الوضع في سورية والذي تضمن 16 بنداً تناولت جوانب مختلفة من الأزمة السورية، وفي كلّ مرة يصدر مجلس الأمن قراراً حول سورية يعاد طرح الأسئلة نفسها:
هل سيُطبق هذا القرار؟
هل وصلنا إلى نقطة أصبحت هناك إرادة دولية لحلّ الصراع في سورية؟
هل هناك ضمانات لتطبيقه؟
هل سيلتزم النظام بهذا القرار؟
هل هذا القرار سيختلف عما سبقه وعما سيليه؟
..العديد من الأسئلة، وخاصة أن مجلس الأمن أصدر حتى الآن 13 قراراً و7 بيانات رئيسية، ولم يُنفّذ منها أي شيء على أرض الواقع. فلماذا سيكون هذا القرار مختلفاً؟
إن قراءة أولية لبنود القرار تشير إلى عدة نقاط ابتدائية، لا بد من التوقف عندها بشكل واضح:
أولاً: السرعة في اجتماع مجلس الأمن والموافقة الجماعية على القرار، وهذا يعطي مؤشراً ابتدائياً على وجود استعجال دولي لبدء الدخول في حل الازمة السورية، وفق المنطق السياسي البعيد عن الحل العسكري.
ثانياً: ترسخ تعريف محدد للصراع في سورية وفق المنظور الدولي بأنه صراع عنف يولّد إرهاباً يزعزع استقرار المنطقة وخارجها، أي أن الدول الفاعلة دولياً أصبحت على قناعة أن استمرار الصراع في سورية يؤثر سلباً عليها، ولذلك أصبحت في حاجة لإيجاد حلّ لهذا الصراع.
ثالثا: حصر مسؤولية حماية الناس بالسلطات السورية، وهو ما يستوجب إيجاد سلطة جامعة لجميع السوريين، ولذلك تمّت إضافة كلمة “جامعة” على مطلب تشكيل هيئة حكم انتقالية، لتصبح هيئة حكم انتقالية جامعة تخوّل بسلطات تنفيذية كاملة، وذلك يؤشر على أن بنية النظام الحالية سيتم استبدالها ببنية سلطوية جديدة.
رابعاً: اعتماد سيناريو للأحدث يبدأ بخطوات تخفيف حدة الصراع من خلال خطوات عملانية، وهي وقف القصف ثم الانتقال إلى وقف إطلاق نار ثم إدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق المعتقلين، وهي خطوات بالضرورة تعمل على تخفيف الاحتقان وتهيئ الجو لبدء عملية التفاوض.
خامساً: ضبط العملية التفاوضية بجدول زمني محدد وإن كان يبدو طويل الأمد ولكن بالنظر إلى طول الصراع في سورية وتعقيداته يبدو جدولاً قابلاً للتطبيق.
سادساً: تخوف المجتمع الدولي من أي انهيار محتمل للنظام، لذلك يبدو التأكيد على إبقاء مؤسسات الدولة كضامن لعدم انزلاق سوريا نحو التفكك والفوضى، وبالتالي سيكون هناك بالضرورة مقاربات نحو إيجاد صيغ اندماج وتفاهم داخل مؤسسات الدولة بعد إيجاد هيئة الحكم الانتقالية.
سابعاً: التردد في تبني أي جهة كممثلة للمعاضة السورية، وهو ما يؤشر إلى حالة التخبّط لحد الآن على المستوى الدولي في هذا المجال، رغم أن القرار فتح المجال أمام حسم هذا الأمر حيث خوّل ديمستورا بحسم هذا الأمر.
ثامناً: العمل على التخفيف من حدة التغيرات الديموغرافية التي أحدثها النظام، والعمل على إعادة الوضع الديموغرافي تدريجياً إلى ما كان عليه من خلال دعوة القرار إلى تهيئة الأجواء والظروف لعودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم الأصلية.
من خلال ما ذكرناه سابقاً يبدو أننا أمام استراتيجية دولية واضحة لحل الصراع في سورية، مبنية على تصنيف الصراع في سورية بأنه صراع أهلي وليس ثورة شعب مظلوم. وسيتم العمل وفق اتجاهين:
الأول: تقسيم الأدوار بين الفاعلين الأقليمين والدوليين، وما يظهر أنه خلافات دبلوماسية بين الدول هو في الحقيقة تناسق وتناغم متفق عليه، فيبدو أن الدولتين العظمتين متفقتان على أن تتعهد روسيا بالوضع الميداني وتهيئته.. والحملات الروسية الشرسة على بعض المناطق واستخدام سياسية الأرض المحروقة -كما حدث في الغوطة الشرقية مؤخراً- لم يكن هدفها تحقيق انتصار عسكري، بل إيصال رسالة سياسة عن حجم الدمار الذي سيلاقيه كل من يقف بوجه الجهود الحالية، وأن تتعهد أمريكا بتهيئة الساحة الدبلوماسية، بينما تتكفل الدول الإقليمية بالضغط على الأطراف التي تدعمها للسير في كنف هذا الخط.
الثاني: رسم خطة تسوية سياسية وفق الركائز التالية:
1- تخفيف حدة الصراع وخلق البيئة السياسية المناسبة.
2- خلق خطوات بناء الثقة بين الأطراف.
3- تحييد جميع من يرفض أو يقف عائقاً أمام السيناريو المحتمل.
4- دفع كل الأطراف للاعتراف بالآخر والاعتراف بوجوده وما يمثله وما يبتغيه من مصالح.
5- الدخول في مفاوضات تفضي إلى إيجاد اتفاق سياسي ينهي هذا الصراع.
ولكن على الدول الفاعلة أن تدرك أن تسوية الصراع في سورية تستوجب تحقيق مسألتين هامتين ومتداخلتين تتعلقان بعملية تسوية الصراعات والتوصل إلى تسوية سلمية دائمة؛ أما المسألة الأولى فهي تتعلق بكيفية بناء نظام سياسي واجتماعي يقدم سقفاً سياسياً واجتماعياً مقبولاً أمام جميع فئات المجتمع، والثاني يرتبط بقضية الأمن؛ فقد تثير تجارب الصراعات المحلية معضلة حادة حول الأمن الداخلي لأطراف الصراع، لذلك يجب على أي حل أن يحلّ هذه المعضلة الأمنية. ومن هنا يتضح أن العقدة الرئيسية في سبيل تحقيق هاتين المسألتين هي وجود بشار الأسد لأنه لا يمكن تخيل بناء نظام سياسي واجتماعي جديد بوجوده، ولا يمكن حلّ معضلة الأمن لقوى الثورة بوجوده، لأنه يمثل شرعية القتل والإجرام.
ومن هنا يجب أن يكون المدخل الحقيقي لبناء استراتيجية تفاوضية للمعارضة قائمة على تبني مفهوم الدولة وما تفرزه من فكرة للسلطة العامة متمثلة بنظام سياسي واجتماعي جديد، لا يكون للأسد دور فيه. ويجب ترسيخ عملية الفصل بين شخصية بشار الأسد وبين مؤسسات الدولة السورية، وخاصة أننا أمام بوادر إرادة دولية لحلّ الصراع في سورية، وفي حال وجود هذه الإرادة يصبح بشار الأسد مجرد رقم يتم تجاوزه إذا ما كان سيشكل العقبة الحقيقة لحل الصراع.
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق