لعل أروقة السياسية المتصلة بالشأن السوري تصوب جل نظرها هذه الأيام من جهة أولى اتجاه التطورات الميدانية على الأرض سواء سقوط مطار أبو الظهور او معركة الزبداني واخيرا معارك الغوطة الشرقية، والتي من المتوقع أن يكون لها ابعاد سياسية عديدة مهمة اذا ما كتب لهذه المعارك تحقيق أهدافها التي انطلقت لأجلها، ومن جهة ثانية اتجاه الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا لحل الأزمة السورية، ولعل العديد يرى ان التطورات على الواقع قد تجاوزت ما يسمى الخطة التي طرحها المبعوث الدولي والتي سربتها جريدة الحياة اللندنية من خلال نشر وثيقتين تحت مسمى (مسودة اطار تنفيذ جنيف)، ولكن يرى بعض المحللين ان التطورات على الارض لا تخرج عن اطار تهيئة الارضية الضاغطة على اطراف الصراع في سورية لإيجاد الاجواء السياسية المناسبة لتمرير هذه الخطة، ويجب ان ندرك ان هذه الخطة تحمل أهمية سياسية لا يستهان بها وحتى ان لم يتبن البيان الرئاسي لمجلس الامن بموافقة أعضائه الخمسة الدائمين هذه الخطة المسربة بحذافيرها، ولكن كان واضحا ان المبادئ الاساسية الحاكمة لهذا الخطة بالإضافة الى مجموعات العمل الاربعة التي طرحتها الخطة اصبحت على جدول الاجندة السياسية الدولية والتي يمكن القول انها محل توافق دولي.
ومن خلال استعراض ما سربته جريدة الحياة يجد المدقق فيها والباحث السياسي المؤيد للثورة عشرات النقاط التي قد يكون الهدف منها الانقضاض على الثورة وتعويم النظام واعادة شرعنته، ومن هنا يمكن تفهم مواقف العديد من الجهات السياسية المعارضة من هذه الخطة وما تسرب عنها، ولكن هل يكفينا ان نقول ان هذه الخطة هي خطة مضادة للثورة ويجب ان نرفضها او نتعامل معها؟
هل ما يزال هذا المنطق يصلح بعد ان أدرك الجميع ان القضية السورية لم تعد قضية سورية خاصة بل حلبة صراع اقليمي دولي، وفاتورة هذا الصراع هي دماء عشرات الالاف ونزوح الملايين وتهجيرهم، والذي من الممكن ان يكون بطريقة ما بهدف افراغ سورية ديموغرافيا؟
اعتقد ان الاجابة عن هذا السؤال يجب ان تحمل عمقا سياسيا أكبر، فصحيح ان الخطة التي سربت تحمل مخاطر كبيرة جدا، ولكن في نفس الوقت الخطة سلطت الضوء على نقاط رئيسية يجب علينا نحن اولا كجهات محسوبة على الثورة السورية ان نجيب عليها، ولا يعني هذا الامر انني ادعوا الى تبني هذه الخطة او القبول بها، ولكن تسليط الضوء هو بهدف معالجة المخاطر واستغلال الفرص.
لعل اخطر ما تحتويه الخطة انها تعامت عن السبب الرئيسي للازمة السوية وهو اجرام النظام وقمعه للشعب السوري، ولكن في نفس الوقت يجب ان ندرك ان دي ميستورا هو وسيط لحل أزمة يهدف الى انهاء أزمة، وليس الى ارجاع الحقوق الى أصحابها، ومن هذا المنطلق ينظر دي ميستورا الى اطراف الصراع في سورية من نفس الميزان وليس من ميزان الجلاد والضحية، بالإضافة الى ذلك يوجد العديد من القضايا التي تطرقها الخطة والتي هي حقيقية مفاصل اساسية في العقدة السورية ولا نملك كثورة اجابة واضحة عنها وهي:
اولا: ان الخطة تدعو الى المحافظة على وحدة واستقلال وسيادة سورية، واعتقد ان هذا الامر في ظل المشاريع التقسيمية والمشاريع الضبابية يجب ان يصبح من اولى اولوياتنا.
ثانيا: قضية المكونات السورية المتعددة، فحقيقة يوجد اشكالية كبيرة لدى العديد من القوى المحسوبة على الطرف المضاد للنظام في مقاربتها لهذه القضية.
ثالثا: الفشل الكبير لقوى المعارضة في ادارتها للمناطق المحررة وخاصة اعادة الدورة الاقتصادية في هذه المناطق لوضعها الطبيعي.
رابعا: قضية الجيش، فغالبية مكونات الثورة السورية تريد حل جيش النظام لأنها تعلم ان هذا الجيش تحول الى ادارة قتل في يد النظام، ولكنها تعجز عن تقديم اجابات عن المؤسسة العسكرية البديلة له.
خامسا: العجز الكبير في قدرة أطراف الثورة السورية لحد الان على اثبات قدرتهم في المحافظة على المصالح الاقليمية والدولية الرئيسية.
في تموز عام 2012 صدر بيان جنيف، وفي حينها كان رفض قوى الثورة له عاما دون إدراك الاهمية السياسية له. بعد مضي الايام اصبحت القوى التي كانت تعارضه في الصباح والمساء هي أكثر الداعين له، واخشى ما اخشاه ان يكون ما نرفضه اليوم هو ما سنصبح نلهث له في الغد.
ان خطة دي ميستورا واضحة جدا واصابت عين الحقيقية، وأي جهود لحل الأزمة السورية ستفضي في النهاية الى ايجاد دولة مستقرة كي لا تبقي سورية مركز توتر وتهديد. وإذا كنا نريد تحييد النظام واخراجه من ان يكون أحد محاور او مرتكزات هذه الخطة يجب ان نجيب على السؤال التالي بشكل واضح: هل لدينا كقوى ثورة الارادة السياسية لتبني مشروع بناء دولة سورية موحدة ومستقلة، دولة تضم الجميع، دولة تكون مبنية على المؤسسات وليس على الفصائلية والمشاريع الضيقة؟
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج