مقالات رأي

نحن هم حاملو لواء مشروع التقسيم / أبو القاسم السوري

1321 copy

إن واقع الصراع في سورية يؤشر بما لا يدع مجالاً للشك أن المعادلة العامة للصراع ما زالت ثابتة بين أطراف هذا الصراع منذ اليوم الأول إلى الآن، وهي معادلة من الطبيعة الصفرية التي ينظر فيها كل طرف إلى فناء الطرف الآخر كحل وحيد لبقائه والحفاظ على وجوده. ولعل هذا الأمر يمكن أن يفسر مستويات العنف التي وصل إليها الصراع كما يفسر أيضاً العجز عن الوصول إلى أي حل سياسي لهذا الصراع.

ومع تفاقم الآفات الناتجة عن امتداد الصراع في سورية، وما رافق هذا الامتداد من انعكاسات مدمرة سواء بالداخل السوري أو على المستوى الإقليمي والدولي أصبح طرح البحث عن حل لهذا الصراع ركناً أساسياً من أي اجتماع يتعلق بالمنطقة. ورغم تعدد الطروحات إلا أنه لم يستطع أي أحد طرح أي مبادرة أو خارطة سياسية للحل قابلة أن تنجز أو تتحقق، وخاصة مع تعدد الأطراف الفاعلة في الصراع واختلاف أجنداتها، مما دفع العديد من المطابخ السياسية على مستوى العالم لطرح فكرة التقسيم كحل يمكن له أن يطبق لأنه لا يمكن إيجاد حل ضمن نطاق جغرافي جامع لكل هذه الأطراف. وأنا اعتقد أن هذا الطرح هو في نفس السياق الذي حاول دي مستورا تسويقه ضمن فكرة تجميد الصراع والقائمة على فكرة تخفيض مستوى الصراع من خلال فرض هدن وتهدئة على الأطراف، ولكن دي مستورا اصطدم بحائط عدم الثقة الموجود بين الأطراف والذي رسّخه أساساً غدر النظام وإجرامه الذي فاق كل الحدود. وعليه فاعتقد أن مراكز صناعة القرار الإقليمية والدولية رأت ضرورة فرض هذا الأمر كأمر واقع ضمن استراتيجية تقوم على أساس فرز مناطق جغرافية صافية اللون سياسياً سواء لجهة قوى المعارضة أو لجهة قوى النظام. ولعل عملية تحرير إدلب وما يحدث في درعا وحلب يندرج في هذا السياق. وعليه يمكن القول إن التطورات العسكرية الأخيرة الناتجة عن التحالف الإقليمي التركي السعودي القطري هي بهدف تغيير قواعد الصراع، وليس بهدف حسم الصراع، ولعل العنوان الرئيسي للمرحلة القادمة سيكون (مناطق حكم غير مركزية) أي لا ترتبط ضمن الدولة السورية. وما يزيد الطين بلة أن المناطق التي تخرج عن سيطرة النظام يتشكل فيها نماذج متعارضة مع بعضها والأخطر أنها تتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها، وهذا أمر ضرره بعيد المدى على المستوى الاستراتيجي، ولعل خطورة تشكيل مناطق حكم منفصلة مناطقياً قد تكون خطوة أولى نحو مشروع التقسيم، وخاصة أن العديد من المراكز السياسة الإقليمية والعالمية تطرح بقوة مشروع التقسيم كحل وحيد قابل للتطبيق  في الجغرافية السورية نتيجة قراءتها للوضع السوري.

ولا يختلف اثنان على أن فكرة التقسيم تخالف المبادئ السامية التي قامت عليها الثورة السورية ولعلها من المحرمات ضمن الوعي السوري الوطني الجمعي وما يتأتى عن هذا الوعي من هوية وطنية سورية ترسخت خلال القرن العشرين. ولعل هذا الأمر يمكن أن يفسر مدى الرفض الذي تبديه أغلب قوى المعارضة بكل أطيافها لهذا الطرح ولكن السؤال الرئيسي هو: هل يكفي أن أرفض مشروع التقسيم بالأقوال وأنا أرسخه بالأفعال حقيقية؟ أليست السياسية هي ما يحدث في الواقع وليس ما يقال في العلن؟ لكن كيف يحدث ذلك؟

إن رفض مشروع التقسيم يكون من خلال تبني فكرة الدولة الوطنية الجامعة المحددة الإقليم والشعب والمتفق ولو جزئياً على شكل سلطتها المستقبلية، ولكن واقع الحال السوري ليس كذلك؛ فمقومات الدولة الرئيسية هي محل اختلاف بين قوى المعارضة، فكل جهة تريد بناء دولتها الخاصة على أنقاض سورية وعليه فإن رفضنا لمشروع التقسيم يكون بانتقالنا نحو اتفاق على مقومات الدولة السورية ومؤسساتها وخاصة المؤسسة العسكرية أي من خلال بناء جيش وطني جامع، ولكن طالما كل فصيل عسكري، ما زال يتمسك بفصيله ويراه السبيل للوصول إلى دولته المزعومة التي يطمح لها، فإننا حينها نكون نحن من نرسخ التقسيم فعلياً وحينها علينا أن نكفّ عن لوم الخارج بأنه من يريد فرض مشروع التقسيم علينا، لأننا نحن أهل مكة ونحن أدرى بشعابها. وإذا كان مشروع التقسيم لا يتناسب مع ثورتنا وفكرنا كما ندعي، فعلينا أن نتبنى مشروعاً سياسياً واضح المعالم مضاداً له قائماً على أساس تحرير سوريا من النظام الغاشم وبناء الدولة السورية الوطنية الجديدة بكل مقومات الدولة الحديثة.

Click to comment

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top