Site icon مجلة طلعنا عالحرية

ياسر الغربي: الخط العربي هو الممثل الشرعي للفن العربي والإسلامي.

ولاء خرمنده

يتميز التشكيل الحروفي لأعمال الفنان السوري ياسر الغربي بخصوصيته القائمة على اكتشافات جديدة بين اللون والحرف، وتنويعه بين العديد من المدارس وأنواع الخط، وتذهب لوحاته لتكون جسرًا بين التشكيل البصري والمتن النصي لينتج عملاً مبدعًا، أو يكون الجسر بحد ذاته فنًا يصل الحرف الفني بالآخر، بدافع واحد هو الشغف الشديد بالحرف العربي.

الموهبة والاحتراف

يقول ياسر: ثمة أشياء تولد مع المرء، لكن إدراكها يكون نتيجة لوعي الإنسان بمحيطه واكتسابه الخبرة والمعرفة، ولعل الخط العربي أوّل المعارف التي يكتسبها العربي ويتعامل معها، وبعد أن تظهر موهبته تبدأ عملية الصقل الشاقة من خلال الاطلاع والممارسة وتثقيف البصر والعقل واليد معًا، الغربي غزير النتاج، لكن تاريخه الفني لا يشي بأكثر من معرض فردي واحد، وعدة مشاركات بمعارض مشتركة، لكنه يعتقد بأن فكرة المعرض الفردي ليست هاجسًا كبيرًا بالنسبة له، وهو متيقن أنها ستعود لتتبلور وحدها دون قصد، تمامًا كما حصل معه في معرضه الفردي الأول الذي جاء نتيجة لقناعته وأصدقائه، بأن كمًّا جميلاً من الأعمال والتجارب، جدير بأن يخرج من صالون منزله ليشكل معرضًا فنيًا لاقى نجاحًا جيدا في حينه.

شارك الغربي بمعارض جماعية في جامعة حلب، لكن الحياة ابتلعته على حد تعبيره، فبعد تجربة اعتقال عاشها غيرت حياته بشكل جذري، كان عليه أن يسافر تاركا سوريا عام 2010 بحثا عن سبل الحياة، ليعود إلى عشقه الأول للحرف العربي بعد أن عادت حياته للاستقرار وليتمكن لاحقًا من احتراف هذا الفن عام 2013 أثناء إقامته في السعودية التي شارك بمعارض جماعية داخلها وخارجها.

ياسر الغربي مازال في طور التجربة والبحث

الهوية الفنية أحد أكبر هواجس أي تشكيلي، حيث يذهب لخلق بصمة خاصة قد تكون توليفة لونية أو تفصيلاً صغيرًا يكرره في أعماله، أما في المدرسة الحروفية، وعن كيفية تشكيل هذه الهوية، فيرى ياسر أن كل فنان بلا شك يفضل الوصول لنكهة خاصة لأعماله أو بصمة مميزة تجعل الجمهور قادرًا على تمييز أعماله عن سواها، لكن هذه الهوية تكون نتاجا لتجارب طويلة قد يضطر فيها الفنان للتنقل بين العديد من المدارس ويجرب الكثير من التكوينات اللونية ويدرس بشكل معمق علاقات الألوان والأشكال والأحرف، وهذا التنقل بين المدارس والتجارب المختلفة سيمكن الفنان من إتقان أساليب وتقنيات عدة، قد يكون الخلط بينها بحرفية بحد ذاته هوية، أما عن بصمته الخاصة، فياسر مازال في طور التجربة والدراسة والبحث فيما يخص الحرف والخط العربي والتشكيل أيضًا.

الخط العربي وإمكانيات العصرنة!

فن الخط العربي جزء أصيل من الثقافة العربية مغرق في القدم، ولا بد أن نتساءل عن مرونة هذا الفن وقدرته على إعادة إنتاج ذاته بما يكفي ليكون فنا معاصرا، ياسر مقتنع بإمكانية “عصرنة” هذا الفن، فهو ككل مكونات الثقافة العربية مر بمراحل عديدة وصعبة، وقد شكل مع الزخرفة ثنائيًا بارزًا في فن العمارة والمخطوطات، ثم مر بأزمة فرضها إتلاف الغزاة أو الزمن أو عدم الاهتمام للكثير منه، لكن العقد الأخير يشير إلى نهم وشغف كبيرين لدى الجمهور العربي تجاه هذا الفن، خصوصا بعد ثورة التكنولوجيا، وهذا ما يبعث على العطاء باتجاه تطوير هذا الفن وعصرنته بما يليق به كممثل شرعي وربما وحيد للفن العربي الإسلامي.

الغربي: العالم العربي يشغل حيزًا كبيرًا من تاريخ وجغرافيا العالم

رغم أن ياسر لم يقم أية معارض خارج الشرق الأوسط إلا أن موقع “آرت ريبرسنت” البريطاني كان قد نشر مادة مطولة عن تجربته، مما يذهب بنا للحديث عن المتلقي الغربي لهذا الفن، وعن إمكانية تصديره خصوصا أنه مرتبط عضويا باللغة العربية، مما يجعل عدم فهم المحتوى مؤثر على القيمة الفنية للعمل الذي سيغدو جمالًا بصريًا وحسب. يقول ياسر إن المتلقي الغربي مثقف فنيًا بشكل جيد، ويحب الجديد والمختلف، ولا شك أن العالم العربي والإسلامي يشغل حيزا كبيرا من تاريخ وجغرافيا العالم، خصوصا بوصوله إلى نصف أوروبا عبر إسبانيا، وما تركه من بصمة حضارية، ثقافية، فنية وعمرانية، إذن، لدى الغرب فكرة أولية عن هذا الفن، وباختلاف تقنيات وأدوات هذا الفن عن غيره فهو يشكل تجديدا، ورافدا للحركة التشكيلية حول العالم، ويعتقد ياسر أن عدم اتقان العربية لا يشكل عقبة حقيقية أمام المتلقي الغربي “فالحرف أو النص كمعنى يمكن ترجمته ببساطة، بينما التشكيل البصري للعمل الفني يمكن أن يصل، ولا يمنع أن يكون فهم النص إضافة جمالية ومفتاحًا أضافيًّا لفهم العمل، وبالنهاية، فالفن له لغة خاصة قادرة للوصول لكل قلب حول العالم”.

الفن .. ترف أم حاجة؟

وعن التساؤل عن دور الفن اليوم في ظل غياب الحاجات الأساسية عن حياة السوريين في الداخل من جهة يعلّق ياسر: “الفنان ابن بيئته ويسعى ما استطاع أن يكون فاعلاً ومؤثرًا بها في السلم والحرب، وأنا، وإن كنت عالقًا خارج سياج الوطن، فإنني منخرط بهذا الوجع، ولا شك أن للفن دور كبير في صناعة الحياة والجمال والسلام، وإن كان هذا الدور ينحسر أمام الدم والخبز والحياة، لكنه من جهة أخرى صاحب صوت عال في العالم بحيث نستثمره كمنبر لنقل وجعنا ومعاناتنا وموتنا اليومي”، ويختم ياسر برسالة لأهله في سوريا: “تقبلوا مني ما أحمله من لون وحب وسلام كقربان لأجلكم، وكشمعة تطمح لأن تضيء ولو مترًا واحدًا من طريقنا الطويل إلى الحق والعدالة والحرية”.

ياسر الغربي: تشكيلي سوري من مواليد مدينة مسكنة 1980، خريج جامعة حلب كلية الحقوق، يقيم في السعودية.

Exit mobile version