مرة أخرى نتابع إصدارات المجلة بعد توقف.
غابت (وغُيبت) طلعنا عالحرية منذ انطلاقها قبل 9 سنوات أربع مرات، ودام أحد التوقفات سنتين كاملتين!
وصارت وظيفتي في كل مرة هي تلاوة الإعلان: «عُدنا..!»، واجتراح الأمل والتفاؤل بانطلاقة جديدة وزخم كبير.. وأيضاً الإجابة على أسئلة: لماذا توقفنا ولماذا نعود وكيف ومن وهل.. وباقي الأسئلة الصعبة..
مرة أخرى نخوض المغامرة السيزيفية لإتمام المهمة المستحيلة وإدارة العجلة.. أقول إدارة العجلة حتى لا أقول اختراعها!
ولكن.. فعلاً: لماذا؟
ما المختلف هذه المرة؟ هل ستكون هذه إعادة الإقلاع الدائم؟ وبعدها ستنتظم المجلة ويثبت صدورها وتصل متابعيها في الميعاد، لتكمل نموّها وتطورها الطبيعي..
ما الجدوى من عودة المجلّة والاستمرار في إصدارها؟ وما القيمة المضافة؟ وأثناء البحث عن التجديد، هل يفيد التكرار.. تكرار كثير من الحقائق أو الأفكار: من مثل أنه لازال آلاف المعتقلين مغيبون في سجون النظام وأقبية التعذيب، وأن آلة الاعتقال والتعذيب لازالت فاعلة حتى اليوم، وأن هناك من غيبتهم داعش والنصرة وأخواتهما.
وأن المخيمات التي فُرضت على المهجرين والنازحين لا تصلح للمعيشة الكريمة، وأن مئات آلاف الأطفال السوريين يعانون من سوء التغذية، ومنهم آلاف بلا تعليم.
وأن الخارطة، كل الخارطة، تحت حكم سلطات الواقع مهما اختلفت أسماء القوى المسيطرة.
وأن السوريين يعانون في كل مكان؛ داخل بلدهم وخارجها، قبل تطوّر جائحة عالمية وبوجودها. بيمين متطرف صاعد أو هابط أو متّكئ!
سؤال الجدوى
أردنا أن نجيب على سؤال الجدوى من عودة المجلة، و الجدوى من الكتابة والأدب والرسم والتفكير وطرح الأسئلة.. ثم رأينا أن نفتح السؤال: فما الجدوى من الاستمرار في العمل.. مهما كان العمل؟ ما الجدوى من رصد الانتهاكات وهي لا تتوقف، بل وتخلق لها «بيئة صديقة للانتهاك» حتى تحوّل العالم كله إلى «آلة انتهاك»! ما الجدوى من تذكّر الشهداء وتعداد مناقبهم؟ ما الجدوى من الشعار دون تطبيقه؟ ما الجدوى من الكلام في التغيير دون تغيير؟
“أين الطريق إلى أي شيء”!
ما الجدوى من أي شيء؟ خاصة وأننا لم نعد نرى الأفق، بل إن قسماً معتبراً منا أصبح مقتنعاً بأن كل ما حدث هو مقدمة لقادم أسوأ، وأنه حتى «الضوء في آخر النفق هو قطار قادم» كما قال المفكر الساخر.
من الممكن أن نجيب ببساطة على سؤال الجدوى بأن الاستمرار ضرورة طالما أن هناك ظلم ومظلومون.
الحق في الحياة
أصبح عمر طلعنا عالحرية تسع سنوات (بما فيها شهور الغيبوبة) وإلى الآن مازالت تناضل بأن تستمر في الحياة ربما أكثر من نضالها بطرح مضمون معيّن. تسع سنوات ولم يتحول مجرد وجود المجلة إلى بديهية، بل أصبح موضع تشكّك وريبة، تماماً مثلما أصبح عنوانها موضع شكّ: هل ستستمر طلعنا عالحرية؟ هل حقّاً طلعنا عالحرية؟!
هل يعيب مجلتنا أنها تشبهنا؟ وتشبه السوريين المأكولين المحروقين المقمّرين في تنور هذا العالم العجيب.
أحلامها كبيرة وظروفها غير مواتية، معيشتها صعبة، واستمرارها في الحياة هو أقصى نضالها! تدخل الإنعاش وتخرج لتتقد جمرتها من جديد، تتلقى الطعنات بينما تقارع الزيف والظلم والعنف والقهر والأسعار…
تقيم الحداد وتتوق شوقاً للأحباب، تفرح وتحتفي بأشياء صغيرة وبسيطة، تبحث عن الحقيقة وتتلمس الجمال والخير والمحبة..
المفروض أننا تعلمنا أن لا نلوم الظروف، ونتوجه لأنفسنا بالنقد والتنقيح. وهو شيء ندعي أننا -بهذه العودة- نفعله الآن، وسنحمله معنا دائماً بجانب العناد والإرث المعنوي الذي تمثله المجلة لأسرتها الكبيرة.
هل سيبقى في الناس من يذكر أن السوريين والسوريات قاموا بثورة من أجل الحرية والكرامة؟ وبعضهم قام بمجلة لنفس الغاية!
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.