مجلة طلعنا عالحرية

وحيدات في دوامة العنف المنزلي

سونيا العلي- ادلب

رغم الضرب والإهانة التي تعرضت لها من قبل زوجها، لم تستطع براءة الحصول على تأييد أهلها لها، كما أجبروها على العودة إلى منزله مجدداً بحجة أن “المرأة ليس لها غير منزل زوجها، وأن الخلافات العائلية يجب أن تبقى طي الكتمان، وأن الزمن كفيل بتغيير طباع الزوج وصفاته الذميمة”.
براءة من مدينة إدلب ليست حالة فردية، بل تتعرض الكثيرات من النساء في سوريا لكافة أشكال العنف، اللفظي والجسدي، لتكتمل معاناتهن بالعادات والتقاليد التي تكرّس تقبل الزوجات والأمهات للكثير من السلوكيات العنيفة على أنها أمر عادي، والضغوط المجتمعية التي تصفها بـ”العار” في حال تجرأت واعترضت أو طالبت بحقوقها، كما زادت جائحة كورونا من معاناة النساء نتيجة البقاء في المنزل طوال الوقت، والضائقة المادية التي وقعت بها معظم الأسر.
وقد تتعرض المرأة للعنف من أحد الأقارب ضمن الأسرة الواحدة، كالأخ أو الأب!
الشابة علا (17عاماً) تتعرض للعنف من قبل أخيها الذي يكبرها بسنة واحدة، “بعد وفاة والدي، نصّب أخي نفسه وصياً علي وعلى إخوتي الصغار، حيث يضربنا باستمرار، كما حرمني من ارتياد المدرسة وتحقيق أحلامي، بحجة أنني أصبحت كبيرة، ومحط أنظار الشبان، فضلاً عن ضرورة مساعدة أمي في أعمال المنزل” توضح علا.


العنف يقتل النساء
يهدد العنف حياة النساء، فقد يوصل إلى الانتحار للتخلص من الظلم والقهر، وكلنا سمعنا عن المعلمة ميساء (33 عاماً) في ريف إدلب التي عمدت للانتحار في 2 أيلول/سبتمبر الماضي، عن طريق تناول حبوب سامة.
عملت ميساء معلمة في إحدى مدارس بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي، تغلب اليأس عليها، وقررت أن تضع حداً لحياتها، حيث فقدت قدرتها على الصبر والتحمل، بعد أن قام زوجها بضربها وطردها من المنزل، كما أخذ منها أطفالها الثلاثة عنوة، وحرمها من رؤيتهم، واستخدمهم كوسيلة لاستغلالها والضغط عليها.
لم تجد ميساء الدعم والمساندة من أهلها لسنوات كثيرة، بحكم أن زوجها قريب لها، وﺧﺸﻴﺔ ﻧﺸﻮﺏ ﺍﻟﺨﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎئلية، فكانت ضحية ظلم الزوج وتسلط العادات والتقاليد من المجتمع المحيط.


تمرد على الصمت
قلة من النساء قررن التمرد والمواجهة، رغم اللوم والاستغراب من المجتمع المحيط.
رانية (29 عاماً) من مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، قررت أن تضع حداً لتعنيف زوجها لها، فتركت المنزل، ورفعت دعوى قضائية للحصول على حضانة طفليها، وعن ذلك تقول: “زوجي عصبي المزاج، يوبخني لأتفه الأسباب، وأحياناً دون أي سبب، ولست مضطرة للتحمل طوال حياتي”.
تؤكد رانية أنها تركت المنزل عدة مرات، وفي كل مرة كانت تعود بعد أن يقوم أحد الأقارب بالإصلاح بين الطرفين، “رغم أنه أسلوب لا يضمن الحقوق ولا يحل المشكلة” بحسب تعبيرها، وأخيراً قررت الانفصال عن زوجها رغم تحذير أهلها من عواقب الطلاق على المرأة.
تعلق رانية: “لم أعد أكترث لكلام الناس، وتسلط المجتمع، الذي يتجاهل شعورها بالقهر واليأس، حين تتعرض للظلم والجور من أقرب الناس إليها، وتحت أنظار أطفالها”.


هل من حلول؟
الحقوقية والناشطة ومديرة تجمع المرأة السورية هدى سرجاوي تقول: “للعنف آثار عميقة على المرأة، وقد تمتد لفترات طويلة، وتؤثر على الأسرة بكاملها”.
وتضيف: “الحلول تبدأ بسن قوانين تحمي المرأة، وتعاقب كل انتهاك أو عنف يمارس ضدها، والعناية بالنساء اللواتي تعرضن للعنف سواء الجسدي أو النفسي، ومعالجة آثاره، وتمكينهن اقتصادياً، من خلال تخصيص مشاريع تنموية لتهيئة فرص عمل للنساء، لتتمكن كل امرأة من الاعتماد على نفسها، والعمل من خلال التعليم والتوعية على تغيير المفاهيم والسلوكيات في المجتمع التي تساعد على وجود العنف ضد المرأة”.
تشير سرجاوي إلى أن المرأة في الحرب تتعرض للعنف بدرجة أكبر منها وقت السلم، موضحة: “بسبب الانفلات الأمني، والقصف والنزوح، وارتفاع معدلات الفقر”.
وتضيف: “ تجمع المرأة السورية يقدم التوعية المجتمعية حول العنف، ويشارك في حملات مناصرة للمرأة، إلى جانب تقديم استشارات قانونية للنساء”.


آثار نفسية
يعتقد البعض أن العنف الأسري مقبولا ومبررا، ويندرج تحت مفهوم “المشاكل الأسرية”.
المرشدة النفسية رانية الدياب (40 عاماً): “العنف لا يمارس دائماً كعنف جسدي بل يتخذ عدة أشكال منها اللفظي، -وهو الأكثر شيوعاً-، ثم العنف الاقتصادي القائم على الحرمان من الميراث والعمل، وقد تُحرَم الفتاة من التعليم وحق التمتع بالطفولة بسبب إجبارها على الزواج المبكر”.
وتتابع: “للعنف الأسري نتائج سيئة على الفرد والمجتمع، حيث تقع المرأة المعنَّفة فريسة الضغوطات النفسية التي قد تتطور إلى حالات مرضية أو سلوكيات عدائية، كما يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة وتلاشي الإحساس بالأمان”، مشيرة إلى أن المرأة المعنفة تمر بمراحل متتابعة من الصدمة، والإنكار، والارتباك، والخوف، وفي بعض الحالات حين يكون العنف بشكلٍ مستمر ومتكرّر تكون له تبعات أخرى أشدّ وطأةً وتأثيراً، منها ضعف الشخصية، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات بالإضافة إلى زيادة نسبة الاكتئاب.
وبحسب المرشدة: “الإيذاءات النفسية يبقى أثرها مدى الحياة إذا لم تتخلص منها الضحية من خلال التدخل الطبي، وفي بعض الأحيان يقود الأمر البعض إلى الانتحار”.
وتؤكد الدياب على ضرورة توعية المرأة بحقوقها، وتنشئة الأطفال في جوّ خال من العنف، “مع مطالبة المنظمات الإنسانية أن تصب اهتمامها بمجال حماية المرأة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، من خلال جلسات توعية في المخيمات والتجمعات السكنية، وتستهدف النساء، سواء من أهل المنطقة الأصليات أو المهجرات، مع تأمين دور لرعاية المعنفات منزلياً، وتعميم أرقام للخطوط الساخنة لتلقي نداءات الاستغاثة من المرأة، ومعالجتها نفسياً وجسدياً”.
لايزال العنف بمثابة سيف مسلّط على رقاب الكثيرات من النساء السوريات بسبب عوامل نفسية وموروثات اجتماعية، إضافة إلى الضغوط المعيشية المرتبطة بالحرب والتبدلات الثقافية والاجتماعية، ولعل الأخطر هو العنف المنزلي في المكان الذي يفترض أن يكون الأكثر أماناً، ويؤمن الراحة والحماية للجميع.

Exit mobile version