أكثر من سنة ونصف مرّ على اختطاف النشطاء سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي من مكتبهم في الغوطة الشرقية. كثير من المهتمين والمتعاطفين، وقليلون يستكثرون على أولئك حراكهم من أجل أحبابهم! بدعوى وجود عشرات من المخطوفين عند النظام أو المعارضة، وأيضاً آلاف من المعتقلين في سجون النظام، أو بحجّة أكثر تهافتاً مثل شقّ الصف والتشويش على المعركة!
خلال السنة والنصف قام المهتمّون بعدة حملات مناصرة وضغط، لن تكون آخرها -قبل إظهار الحقيقة- مبادرة (إلى من يهمّه العدل) التي تقترح إجراء تحكيم بين فريق يمثل أهالي المخطوفين الأربعة، وفريق ثان هو الشيخ زهران علوش قائد جيش الإسلام، كون الفريق الأول يملك أدلّة تشير إلى الثاني ويطلب تفسيراً لها. بحيث يطرح الجميع ما عنده، ويتمّ التحاكم أمام القضاء التركي (حيث يوجد الفريقان حالياً) وبحضور مراقبين مستقلّين من حقوقيين وشخصيات معروفة ومنظمات حقوقية وإعلامية. ويعرض المدّعون اعتذاراً وتحملاً لكل التبعات في حال ثبت بطلان ادعائهم وبراءة الفريق الثاني.
لم تجد الحملة مناصرة أو تعاطياً جديّاً من قبل أي تشكيل سياسي رسمي أو غير رسمي.. رغم أن شخصيات معتبرة كانوا قد تطوّعوا -دون النظر بالحقائق- بنفي التهمة عن المدّعى عليه جهلاً أو تملّقاً أو لمجرد كيد المدّعين!
الحال مؤسف؛ فجريمة الخطف نكراء ولا يمكن السكوت عنها، ولا يقلّ عنها بشاعة التستّر أو محاولة الطمس والتهميش، بل محاولة تسييس القضية وجعلها جزءاً ومحرّضاً على استقطاب (علماني- إسلامي) أو (يميني – يساري) أو (مدني- عسكريتاري)!
فأين الحقيقة والعدل؟ أين الشرف والمروءة؟ أين إقامة الشهادة للّه!
في واقع يحترم القانون، لا يمكن أن تمرّ مثل هذه الجرائم وتقيّد ضدّ أشباح أو مجهولين بهذه البساطة. لكن ما العمل مع جهات تستثمر في غياب القانون أو في أنها هي القانون؟!
في ملابسات القضية، أورد هنا مفردتين للنظر قبل الوصول لأي نتيجة:
(وشهد شاهد من أهلها):
بعد أكثر من سبعة أشهر من اختطاف الأربعة انتدب جيش الإسلام رجلاً ليقوم بإجراء تحقيق في القضية. قدّم الرجل نفسه أنه من شرعيي جيش الإسلام، وقد طلب من القيادة أن تأذن له بإجراء تحقيق في القضية، وعللّ تكليفه هو بالمهمة (الأمر الذي بالعادة يكون من مهام (الأمنيين) وليس (الشرعيين) بأنه بجانب الواجب الأخلاقي، عنده دافعاً شخصيّاً؛ فهناك قرابة رحم بينه وبين رزان، كما أنه كان معتقلاً سياسياً قبل الثورة ورزان ترافعت عنه أمام محاكم النظام كما فعلت مع كثيرين. بالإضافة إلى أن له صديقاً في الغوطة كان مهتمّاً بالقضية لكنه ارتقى شهيداً، فأراد أن يتابع عمل صديقه الشهيد واسمه محمود.
بعد حوالي ساعة من أول زيارة له لمكتب المخطوفين، تبيّن للرجل أن المخطوفين أربعة وليست فقط قريبته رزان وحدها. الأمر الذي لم نخفِ استياءنا منه؛ فجيش الإسلام بعد شهور من التعامل السلبي مع القضية ينتدب شخصاً لا يعرف عنها شيئاً ويقول إنه يعمل بدوافع شخصيّة بالدرجة الأولى.
قبل أن يودعنا قال: لا أخفيك أن الجيش (يقصد جيش الإسلام) لا يهتم كثيراً بمصير رزان والآخرين، ولكن يهمّه ألّا يتعرض لضغوط خارجية بسبب هذه القضية. وأثناء الجلسات الأولى كررّ (المحقّق) أنه يستبعد أن يكون جيش الإسلام هو الخاطف، وفي كل مرة كان يؤكّد أنه سيقوم بإجراء تحريّات حيادية تأخذ بالاعتبار كل الاحتمالات.
لاحقاً قبل جيش الإسلام أن ينضمّ لمجلس القضاء الموحّد، واستمرّ المحقق نفسه بالعمل على نفس القضية تحت مظلّة القضاء الموحّد. والحاصل، بعد أن بذل المحقق جهده في التحريات، توصّل لأشياء أبدى بعضها لنا. لكن الأهم أن هذا الرجل بالذات (الذي تمّ تكليفه من قبل جيش الإسلام نفسه) يقول اليوم إن “الخاطف هو جيش الإسلام. بالإضافة إلى متورطين آخرين”.
الاعتراف سيّد الأدلّة:
اعترف رجل أمام القضاء الموحّد أنه المسؤول عن رسالة التهديد بالقتل التي وصلت رزان قبل بضعة أسابيع من اختطافها مع سميرة ووائل ووناطم، وكانت الرسالة مشفعة بعيارين ناريين أطلقا على باب مكتب رزان. وقال إنه كان ينفّذ أوامر مجلس الشورى التابع لجيش الإسلام. وبعد توقيف الرجل من قبل القضاء، طالب الشيخ زهران علوش بإطلاقه لأنه (لم يثبت عليه شيء)! ولمّا رفض القضاء الوساطة توعّد الشيخ بأنه سيخرجه. وبعد ذلك بأيام (هرب) المتّهم من الحجز قبل استكمال التحقيق معه. توارى المتّهم لأيام قليلة ثم عاد يتجوّل في دوما ويبدو أنه يتابع عمله (الأمني) السابق.
ولمّا ذُكرت الحادثة أمام الشيخ أبو محمد الفاتح قائد الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام وأحد التشكيلات المنضوية تحت مظلّة المجلس القضائي الموحّد قال: “إن كلّفنا القضاء باعتقال هذا الشخص أو غيره فنحن مستعدون لذلك”.
ولا نعرف إن كان القضاء الموحّد بدوره مستعداً لهذا التكليف، أو حتى لمتابعة التحقيق في القضية.
كما أننا لا نعرف مدى استعداد كثيرين لبلد يسوده القانون ويؤمر فيه بالعدل!
ما ذُكر هنا ليس كلّ ما تكشّف خلال الأشهر الطويلة الماضية. ولا زال جيش الإسلام ينفي علاقته بحادثة الاختطاف دون أن يفنّد أي من المؤشرات ضدّه. ومن هنا تأتي أهميّة المبادرة (نداء إلى من يهمّه العدل) لتكون فرصة لجيش الإسلام إن أصرّ على براءته ليوضّح سبب إشارة ما سيذكر من قرائن إليه.
إن المسألة ليست موضوع وجهة نظر أو ميل لجانب على حساب الآخر، وإنما هي تتعلّق بـ(حقائق) ومعطيات تحتاج لمعالجة وتوضيح. ومن أجل إحقاق الحق في هذه القضية -كما في كل القضايا العامة- ينبغي على من يحرص على العدل والقانون أن يحيّد مشاعره وعلاقاته الشخصية ليشهد بالحق ويؤدي النصيحة لأخيه ظالماً أو مظلوماً.
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.