طارق فارس
الحرب الطاحنة التي أشعلها العالم في سوريا، جعلت المواطن السوري بين خيارين كلاهما يقوده نحو مصير قاتم: الموت أو اللجوء. يبحث عن ما تبقى له من أمل الحياة الآمنة والاستقرار النفسي والمادي، وما إن يصل إلى أوربا (البلاد الرمادية) تتجلى له الصورة الحقيقية، وتبدأ أحلامه بالتلاشي تدريجياً.
كنت قد أتيت إلى ألمانيا منذ سبعة أشهر مثل الكثير من الناس، أبحث عن ملاذ آمن من ضجة هذا الكوكب.. أجمع ألمي وذكرياتي بهدوء، وآخذ حيزاً من الوقت للتفكير في ما آلت إليه الأحداث في سوريا.
في الآونة الأولى لدخول الاتحاد الأوربي كنت منبهراً بجمال المكان وانسيابية التعامل والفكر الحر في المجتمعات الغربية. بعد الخروج من مخيم اللجوء بدأت ألملم جراحي، وأتحسس الأشياء من حولي.. أرى المشهد كاملاً كأي كائن طبيعي. أدرك حجم الفاجعة التي تحيط بي. الإهانة المنمقة في التعامل بين الفرد الأوربي واللاجئ القادم من بلاد الجِمال والخيام (كما يوصفنا البعض)، وصعوبة الاندماج بتقاليد وعادات هذه المجتمعات.
كنت أظن بأن أوربا بلاد الاستقلالية والفكر المنفتح وتعاطي المواضيع الجريئة دون خفض الصوت أو تلفت الإنسان من حوله كما في بلادي سابقاً. لم يختلف الأمر كثيراً؛ ففي نزل إيواء اللاجئين قدمت سيدة لمساعدتنا.. كانت لطيفة جداً وكنا جميعنا ممتنين لها، وكنت منبهراً بكم الحنان والمودة الذي أظهرته لنا. بعد أقل من عشرة أيام تمّ طلب زميلي في النزل إلى مركز الشرطة للتحقيق على خلفية صورة لسلوم حداد في مسلسل الزير سالم قد وضعها الشاب في الواتساب! بقي زميلي متوتراً عدة أيام حتى موعد التحقيق، ليكتشف أخيراً أن السيدة التي كانت تزورنا يومياً كانت تعمل لتحصيل المعلومات وعمل التقارير عن اللاجئين!
لم أحبط من كون هذه السيدة الجميلة عنصر مخابرات. على العكس، فلهم الأحقية في حماية بلدانهم من الغرباء.. لكن ما أثار ذاكرتي هو الأسلوب المخابراتي المتشابه في بلاد الدكتاتورية.
تعاني فئة كبيرة من اللاجئين في أوربا من أمرين:
أحدهما الصراع الثوري الداخلي؛ ففي كثير من الأحيان يضطر اللاجئ المناصر للثورة للتخلي عن مبادئه الثورية لكي يتعامل مع زملائه اللاجئين، فما إن ينتابه الشعور النضالي في الدفاع عن الثورة حتى يتشاجر مع (شركائه في الوطن) من مؤيدي النظام وشبيحته الهاربين من الموت أيضاً، وفي الختام، تكون نهاية الشجار في قسم الشرطة، وتسجيل ملاحظة في ملف اللاجئ.
الأمر الآخر الذي يقضّ مضجع اللاجئين هو العودة إلى سوريا. ففي حال تحررت من نظام الأسد، فإن فئة كبيرة منهم سيعودون لبلادهم لأسباب عدة، والبعض الآخر يفضل البقاء في أوربا والاندماج بالمجتمع الغربي وتأسيس حياة جديدة. لكن يبقى الرهان على تعلّم اللغة وتأمين العمل.
في عام 2009 بعد خروج القوات الأمريكية من العراق قام الاتحاد الأوربي بترحيل أكثر من نصف اللاجئين العراقيين إلى بلادهم بحجة انتهاء الحرب وعودة الحياة الطبيعية..
في حال تعاملت الأمم المتحدة مع السوريين كما تعاملت مع جييرانهم العراقيين، ماذا يكون مصير الشعب عند عودتهم بعد ثلاث سنوات من الهجرة في ظلّ التسوية السياسية الدائرة الآن في سوريا؟ والتي تنبئ ببقاء الأسد ونظامه في الحكم مع بعض شخصيات المعارضة التي لا يعول عليها.
ما يوقع اللاجئ في حيرة من أمره الآن هو هل يستعدّ للعودة أم يعمل على تأسيس حياة جديدية؟ من الطبيعي أن يعيش الفرد حالة من التخبط الذهني وعدم الاستقرار طيلة هذه المدة، لأن جميع أحلامه التي بناها قبل قدومه إلى بلاد المنفى قد بدأت بالتلاشي، وثمة مجموعة من النقاط التي تهدد اللاجئ بشكل شخصي مستفز؛ فهو يعيش حالة انفصام معقدة بين الماضي والحاضر وبين الواقع والخيال.
في الماضي، كنا قد درسنا عن الاستعمار الغربي لبلداننا لأعوام طويلة، وتطلعنا على الثورات والمناضلين آنذاك. ومع بداية 2011 انطلقت الثورة السورية ليعود عصر النضال وكسر شوكة الاستبداد. وبعد خمس سنوات ألقى المناضلون أنفسم في أحضان المستعمر السابق. بل ويصارعون من أجل الاندماج معهم لإظهار حسن النية والسلوك لتحقيق المستقبل المريح لهم ولعوائلهم. لكن المناضل أيضاً ينصدم في كل يوم بواقع لم يكن قد مر بالحسبان أثناء جمع ما يمكن جمعه للوصول إلى هذا المكان.
التعامل الأوربي مع الثورة السورية
كان للأوربين في السنين الأولى للثورة دوراً فعالاً في تأجيج الصراع السياسي والمسلّح ضدّ النظام، وكان موقفهم واضحاً تجاه الشعب السوري. لكن بعد دخول الثورة في عامها الرابع بدأت تظهر ازدواجية التعاطي مع الثورة؛ ففي أماكن يدعمون القوات العسكرية المعارضة، وفي أماكن أخرى يتهمونهم بالإرهاب، ويتعاونون مع النظام للتخلص منها!
لا تكترث الحكومات الغربية بالشعوب العربية، ولطالما ينظرون إليهم بدونية، ولا يهمهم من قضاياهم سوى مصالحهم في النفوذ والسيطرة. وجُلّ ما تسعى إليه الأمم المتحدة اليوم هو إنهاء الصراع الدائر في سوريا لمصلحة المعارضة أو النظام.. لا يهم. كل ما يهم هو فرض الانتداب من جديد بطريقة حضارية ومهذبة وبمباركة من كلا الطرفين، لكي تضمن مستقبل الانتداب لسنوات طويلة، دون حدوث ثورات أو انتفاضات ضدّ مصالحها على أرضنا.. ويعيش المواطن العربي ممتناً لهذا الاستعمار الذي خلصنا من القتل واستضافنا فترة من الفترات في منزله وأكرم ضيافتنا.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج
Abduallah Hasan
3 يناير,2016 at 9:47 م
ان هذه المرحلة من تاريخ العرب والمسلمين هي مرحلة قاتمة سوداء،
وهي استمرارية للاستعمار الحديث ضمن فن الاتكيت،
وان كل الشعوب العربية تخضع لحكومات موظفة من قبل الدول الاستعمارية العظمى وما زلنا في نفق مظلم،
لكن بفضل الثورة السورية اصبح هذا الاستعمار عرضة للخطر في كل المنطقة،
وربما نرى في السنوات القليلة القادمة اما تبدل القوى المستعمرة لهذه الاراضي والشعوب،
او نرى فجر الحرية الذي سينبع من سوريا ويمتد للعرب والمسلمين في الشرق الاوسط وينهي ليل طويل مظلم،
انها ملحمة بين ثلاث قوى شرقية وغربية ومحلية واضعفها المحلية لاسباب عديدة منها النوم الفكري والسياسي الذي بدئ بالاستيقاظ و التكشف،
السنوات حبلى بالاحداث الجسام،
وهذه مرحلة تاريخية مهمة و مليئة بالمئاسي وبالاخص على الشعب السوري والعربي المسلم بشكل عام و سيذكر التاريخ ذلك،
ونتمنى ان ينقشع الظلام و يرجع النور يشرق من بلادي،