Site icon مجلة طلعنا عالحرية

هل يُعقلُ أن أحمل سلاحاً، و أدافع عن عدوّي ؟!

محمّد هشام

لم تزل قرارات النّظام السّوري التي انتشرت شائعاتُها مطلع تشرين الثاني، دون أن ترد بمادّة رسميّة واضحة الأفق، فيما يخصّ سحبَ الشباب إلى الخدمة الاحتياطية مبهمة وغامضة، وينتظرُ السّوريّون أن تتوضّحَ لهم عبرَ مصدرٍ رسميّ.

واقعاً.. فإن السوريّين، لم يكونوا بحاجةٍ للإيضاحِ من مصدرٍ مسؤول حتّى يتعرّفوا على تفاصيلِ القرار، ونوايا النّظام؟ وإنّما انعكاساتُه وحدَها على طبيعة حياتهم في دمشق، وما أحدثَته فيها من تغييراتٍ وأخطارٍ كانت كفيلةً بالشرح. فقد شهدت الأخيرة حالات سحبٍ عشوائيٍّ للشّباب، طالَ مئات منهم، وآلافاً على امتداد المُحافظات.. تولّدَ على إثرها حالة من الخوف والذّعر في نفوس السّوريّين.

ففي مطلع تشرين الثاني 2015 استفاقَ الناس على عمليّاتِ سحبٍ عشوائيّة في شوارع دمشق، وسائر المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، عبر حواجزَ طيّارة، والحواجز الثابتة التي تفصل بين المدن، وطالت الذكور ممّن هم دون 43 سنة، وفوق الـ 18 من غير الجامعّيين، تمَّ على إثرها اقتيادُهم لشُعب التجنيد الخاصة بمناطقهم، ثمّ بعدها لجبهات القتال، دون تمييز!

– خالد البنيّ اتصل بعائلته بعد أسبوعٍ من اختفائه، ليخبرهم بأنّه تمّ سحبُه من منطقة الفحّامة، وأنّه حاليّاً بمعسكر الدريج، ويخضعُ لدورةٍ مؤقّتة قبل فرزِه إلى الجبهات، وإلى جواره مئاتٌ من الشّباب المشابهين لحالته.

– الشباب الذين يحتاجون للتوجّه إلى دمشق كل يوم، ولاجتيازِ الحواجز وصولاً لمقارِّ أعمالهم، عاشوا حالةً من الصّراع والخوف؛ إذ ليسَ من السهولة حقيقةً التكهّنُ بمصير ِمن يُقتاد إلى الجبهات بمثل هذه الظروف العصيبة من عمر الثورة.. فضلاً عن زجّه بمعاركَ سيرفع فيها السّلاح بوجه أبناء جلدته وثورته.

– كما لوحظَ تضاؤل حركة الشّباب في شوارع المدن، واقتصارها لحدٍّ كبيربالآونة الأخيرة على النساء والأطفال، ومن تجاوز السنّ المحدّدة من الرجال، بالإضافة للجامعيّين الذين لم يسلَمُوا من الاستفزاز والمضايقات المتواصلة. فيما حرصَ مجمل الشّباب على تقنين رحلاتهم إلى دمشق، وتجنُّب استخدام الشوارع الرئيسيّة، واللجوء للحارات الفرعيّة عند توجّههم لأعمالهم أو قضاء حوائجهم.

– “كانوا يسحبونهم بشكلٍ عشوائيّ، و لا أدري إن كانوا يتأكّدون لاحقاً من ورود أسماء الجميع، أم لا” هكذا ينقل حسن؛ المهندس الثلاثينيّ شهادته لطلعنا عالحريّة.. وهو الموظّف في إحدى مؤسسات الدولة، و يحملُ إعفاءً عن خدمة الاحتياط من جهة عالية لخصوصيّة وظيفته. ويضيف: “أمسكني الجنديّ من ملابسي، و أحاطَ برقبتي، وسارع لاقتيادي إلى الباص الذي كان مملوءاً بمن هم دون 43 سنة، دون أن يسألني عن عمري، أو حتّى يطلب هوّيتي! و لمّا أبرزتُ له الاستثناء مُذيّلاً بختم مجلس الوزراء، وعرضته على الضابط المسؤول، اقتنع و أخلى سبيلي”.

-”صحيح أنّه لم يصدر رسميّاً لكنّه يُطبّق” بعبارته هذه يصف أمجد كريم القرار الحكومي الصامت، والذي أعقبته حملة السّحب العشوائيّة التي كان ضحية محاولاتِها مراراً. وتحدّث عن مضايقات يوميّة ظلَّ يتعرّض لها على امتداد شهر، خلال توجّهه لعمله في منطقة المزّة، انطلاقاً من برزة: “لم تشفَع لي الوثائق الموضّحة أنّي وحيد، وأنّي مُعفىً من الخدمتين، الإلزاميّة والاحتياطيّة.. من إنزالي يوميّاً من الحافلة، وإيقافي لساعاتٍ للتأكّد من عدم ورود اسمي في القوائم!”.

“جنة الشباب منازلهم” هو لفظ اختارته أمّ أحمد من حيّ الميدان الدمشقيّ، بعد أسبوعين من بدء حملة السّحب، ناصحةً الشباب الذين يتجولون في الأماكن التي يسيطر عليها النّظام بالتزام منازلهم، وعدم مغادرتها، لأنّها جنّة قياساً بالجحيم الذي اقتادوا إليه ابنها أحمد (29 عاماً) والذي تمّ سحبُه أثناء توجّهه لعمله في الزاهرة بدمشق. و تضيف: “اتصل بي بعد اختفائه بعدّة أيّام، ليخبرني بأنّه تمّ اقتياده لمعسكرِ الدريج، ثمّ بعدها للخدمة الاحتياطيّة على جبهات حماه!”.

أمّا معتز، والذي يعاني من إعاقة ولاديّة واضحة في إحدى قدميه تدفعه للتحرُّك والمشي عرجاً، فقد وصفَ إعاقته: “لم أكن أتوقّع أنّها ستتحول لنعمة كبيرة إلى هذا الحدّ”. معتزّ الذي يتجوّل في أحياء دمشق، ويحتاج يوميّاً للتوجّه لعمله كبائع في سوق الهال، يضيف: “إعاقتي الواضحة، و هويّتي التي تؤكّد ذلك، كانا يشفعان لي من التّدقيق الذي يتعرّض له الآخرون”.

وبين حاجتهم للعملِ لرعاية أسرهم، و بين شبح الاحتياط، صراعٌ يعيشه سكّان مدينة التل مّمن تقع مقارُّ أعمالهم خارجَ المدينة المُهادنة. التل، المدينة التي تحتضن المُهجّرين، و يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، تخلّى العشرات من أبنائها عن أعمالهم خارجها، و يعلّل محمود (27 عاماً) سببَ تركه لعمله في ضاحية البعث الملاصقة تماماً للتّل بخشيته من السّحب، ويضيف: “هل من المعقول أن أحمل سلاحاً، و أدافعَ عن عدوّي؟”!

Exit mobile version