يكرر النظام اليوم نفس الخطأ الذي ارتكبه ببقية المناطق، فهو يعتقد بأن الاغتيال والبطش، سيرهب الناس في السويداء ويجعلهم يهرولون طالبين حمايته.
إن السياق التي جرت به عملية الاغتيال عصر الأمس الجمعة بالمتفجرات وأدت لاستشهاد نحو 27 شخصاً معظمهم من مشايخ الكرامة وجرح نحو 48 آخرين، تؤكد بأن السويداء كانت تعيش حالة من الغليان، فالاعتصام الذي بدأ قبل أربعة أيام يتصاعد، وقطع الاتصالات، وتدخل مؤيدي النظام من مشايخ عقل وغيرهم، لم تجد نفعاً، خاصة أن الاستياء من سوء الأوضاع المعاشية والفساد أفقد النظام ما تبقى له من مؤيدين.
في موازاة ذلك فإن حركة “مشايخ الكرامة” التي بدأت بالظهور للعلن قبل نحو سنة، شكلت عبئاً كبيراً عليه، لم يعد يستطيع احتماله؛ فهم أعلنوا أن المعتصمين بحمايتهم، وسبق لزعيمهم الشيخ وحيد البلعوس أن دعا علناً إلى عدم الالتحاق بجيش النظام، بل وتمكن مع رجاله من تحرير عدد من المعتقلين وهاجم مقرّ الأمن الجوي، واعترض طريق القطع العسكرية التي حاول النظام إخراجها من المحافظة، وأعلن عن هدر دم رئيس المخابرات العسكرية في المحافظة المدعو “وفيق ناصر”، الذي بدوره حاول أكثر من مرة اغتياله.
يضاف إلى هذا تصاعد مخاوف النظام من فقدان السيطرة على السويداء إثر تقدم فصائل المعارضة في درعا وسيطرتهم على اللواء 52 قبل عدة أشهر، ومحاولتهم تحرير مطار الثعلة داخل محافظة السويداء، ومبادرة البلعوس إلى فتح قنوات اتصال مع أحرار درعا، وتمكنه من تشكيل حالة استقطاب وقوة على الأرض يحسب حسابها، وبدأت تتلقى الدعم من أبناء السويداء بالداخل والخارج.
النظام كان أيضاً أمام خيارات صعبه، فإما سيترك الأمور تتفاقم وتخرج عن سيطرته شيئاً فشيئاً، أو أنه سيحاول أن يضرب “الضربة القاضية” كما أوحت له أوهامه، وطبعاً هو استسهل ما أعتاد على فعله، وكانت بمثابة “الشعرة التي قصمت ظهر البعير”.
الجبل اليوم لن يعود كما كان، وكونه لم يشهد مواجهات عسكرية تذكر، فإن التعويل عليه في تشكيل حالة من الإدراة المدنية كبير، لكن بالمقابل النظام لن يتركه وشأنه. سيحاول استعادته عن طريق الترهيب والترغيب، وإن فشلت مساعيه فهو لن يوفره من القصف والحصار، وخلق فتنة مع الجوار، أوعبر تسهيل دخول داعش إلى المحافظة، كما فعل بباقي المناطق.
إن أهمية تحرير السويداء من قبضة النظام تكمن في إسقاط ادعائه بحماية الأقليات وتأييدها له، خاصة أمام الخارج، وحتى أمام حلفائه، فسيشكل هذا إحراجاً للنظام، كما إن وجود محافظة من لون مختلف في رقعة المناطق المحررة، يفترض أن يساهم في تعديل الصورة عن طبيعة الحراك المعارض في سوريا، بأنه إسلامي تكفيري متطرف، ويعطي فرصة أفضل للقوى المعتدلة والتي تؤيد إقامة نظام مدني ديمقراطي في سوريا المستقبل، طبعاً بالإضافة إلى الجهد المطلوب لأبناء المحافظة في تقويض سلطة الاسد والدفع باتجاه إسقاطه.
إن الخيار الوحيد لأبناء الجبل اليوم للمضى في مواجهة النظام، والتخفيف من كلفة هذا الصراع، هو في مدّ الجسور مع القوى المعتدلة في درعا والقنيطرة وريف دمشق، لتشكيل جبهة مواجهة واحدة ضدّ النظام، وإن نجح هذا المسعى فإنه باعتقادي سيكون المحور القادر على دخول دمشق وتحريرها من حكم الطاغية وإسقاط النظام إلى غير رجعة.