Site icon مجلة طلعنا عالحرية

هل يختلف الديكتاتور الإسلامي عن غيره؟ / د. عماد العبار

1413303491_1_Unttitled-1

أنطلق من هذا السؤال الذي تكاد الأغلبية في العالم تجمع على الإجابة عنه بمقولة مفادها: إنّ الديكتاتور الإسلامي أكثر خطورة من نظيره اللا إسلامي.. بعضهم لا يجيب عن السؤال بطريقة مباشرة بينما يمكن استنتاج جوابه من خلال تحذيره من خطورة تداخل العامل الديني مع النزعة السلطويّة، على اعتبار أن ذلك يعطي مسوّغاً أقوى للسلطة لتقوم بفرض أيديولوجيّاتها وتمرير مشروعها.. يريد هؤلاء القول إنّ النزعة الدينيّة تعطي أصحابها الشعور بامتلاك الحقّ المطلق في الدنيا والآخرة، وتشرعن لهم الوصاية على الناس، وتمهّد الطريق أمامهم للقيام بالاستئصال والتصفية بدون أي رادعٍ إنساني.. يخلص أصحاب هذا الرأي إلى القول بأنّ الديكتاتوريّة الدينيّة ستحمل درجات من العنف والإبادة قد لا تصلها أيّ ديكتاتوريّة أخرى..

بالمقابل، فإنّ بعضهم لا يجد حرجاً في التصريح بأنّه يمكن السكوت عن ديكتاتور غير إسلاميّ بينما لا يمكن التساهل مع دكتاتور إسلامي.. هذا على الأقل ما صرّحت به أستاذة في جامعة ميشيل دي مونتين (بوردو 3) أثناء نقاش معها حول الديكتاتوريّة، فجاء جوابها بصراحةٍ فرنسيّة (غير معهودة) شكرتها عليها، حين قالت: إن الموقف من الديكتاتوريّة يعتمد على نوع الديكتاتورية التي نتحدّث عنها!

لكن إذا ما اتفقنا مع أصحاب هذا الرأي على أنّ معيار تقييمنا للديكتاتوريّة الأسوأ يجب أن يعتمد على مدى اتّساع دائرة القتل والإبادة، فإنّ علينا أن نعود إلى التاريخ قليلاً لنرى هل كان المحسوبون على الإسلام أكثر دمويّة من الطغاة المحسوبين على عقائد وأيديولوجيات أخرى؟

إذا كان القتل هو المعيار، فلعلّ ترتيب الطغاة العشرة الأكثر دمويّة في التاريخ (التاريخ الحديث على الأقل) لا يخدم هذه الفكرة على الإطلاق؛ بل على العكس تماماً، فإننا لا نجد من بين هؤلاء إلا مسلماً واحداً هو القائد العسكري التركّي إسماعيل أنور باشا والمتّهم بتسبّبه في مقتل ما يقارب المليون إنسان في معارك عسكريّة متفرّقة وضدّ جماعات عرقية ودينية مختلفة.. ولكنّه يأتي بالترتيب بعد طغاة أكثر وحشيّة ينتمون إلى عقائد وأيديولوجيات سياسيّة مختلفة، على رأسهم القوميّ الاشتراكي أدولف هتلر الذي وصل إلى الحكم بطريقة ديمقراطيّة، وتسبّبت حروبه في مقتل ما لا يقلّ عن عشرة ملايين إنسان، وكذلك الشيوعي السوفييتي جوزيف ستالين ذو الجذور المسيحيّة الأرثوذوكسيّة والذي تسبّب خلال فترة حكمه في مقتل ملايين البشر، أمّا الصدارة فهي للزعيم الشيوعي الصيني ذي الجذور الإلحاديّة ماو تسي تونغ والمتسبّب في مقتل عشرات الملايين من البشر!

وبمراجعة التاريخ الحديث لمنطقتنا نجد أنّ الإرهاب الذي عانت منه مجتمعاتنا منذ الاستقلال حتّى بدء الربيع العربي هو إرهاب بعثّي أو اشتراكي أو علماني بالدرجة الأولى؛ في سوريا الأسد، وعراق صدّام، وليبيا القذّافي، وجزائر الجنرالات.. وهي الديكتاتوريّات التي ساهمت سياساتها في ظهور الجماعات المتطرّفة المنتشرة اليوم..

أمام حقائق صارخة كهذه، يمكننا استخلاص أن المتخوّفين من الطغيان الإسلامي لا يقلقهم الطغيان ربّما بقدر ما يقلقهم الإسلام نفسه! وليست هذه السطور بغرض الدفاع عن الطغيان والطواغيت الذين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام، أو للتساهل في إدانة القتل بغضّ النظر عن حجمه ومبرّراته، فالموقف من قتل النفس البشريّة مسألة محسومة قرآنيّاً: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ” [المائدة:32].. والموقف الشخصي لكاتب هذه السطور ضدّ الاستبداد والطغيان بمختلف أشكالهم محسومٌ أيضاً.. ولكنّ الهدف هو التذكير بأنّ العنف والاستبداد مشكلات إنسانيّة عامّة، ولا خصوصية تذكر للإسلام في هذا الجانب، وأنّ الإصرار على استهداف الإسلام ينمّ عن موقفٍ عدائيٍّ تجاهه..

لا شكّ في أنّ التنقيب عن جذور العنف في ثقافتنا، وتجفيف منابع الاستبداد في تراثنا، هو عملٌ ثقافيٌّ يرقى إلى مرتبة الجهاد، كونه يتصادم مع العقليّة الاستبداديّة الجائرة والسائدة.. لكنّ وضع الأمور ضمن نصابها السليم، ومحاولة فهم الصورة الكليّة هو أيضاً عملٌ ثقافيٌّ.. ولا يقلُّ أهميّة..

Exit mobile version