Site icon مجلة طلعنا عالحرية

هل وصلت داعش إلى كندا / أنور عباس

668_334_1413997968

شهدت كندا خلال أقل من أسبوع حادثتين سببتا صدمة عميقة في أوساط المجتمع الكندي كافة. ففي العشرين من شهر تشرين الأول الجاري, قام أحد الكندين بدهس جنديين كنديين عمداً بالقرب من ثكنة عسكرية في بلدة سانت جون في مقاطعة كيبيك وقتل أحدهما, وقامت الشرطة بمطاردته وقتله بعد أن أشهر سلاحا أبيضا في وجه رجال الشرطة إثر انقلاب سيارته وخروجه منها. تبين على الفور أن الفاعل هو مارتن كوتور رولو, وأنه كندي المولد وقد اعتنق الإسلام قبل نحو عام, و اتجه في الآونة الأخيرة نحو تأييد تنظيم “الدولة الإسلامية” حيث أظهرت منشوراته على فيسبوك وتويتر هذا التأييد بشكل جلي. كان الجاني محروما من السفر حيث كان بنوي الانضمام إلى صفوف التنظيم وكان يخضع لمراقبة الشرطة الملكية الكندية نظرا لنشاطاته المريبه, لكن السلطات الكندية لم تتمكن من اعتقاله بسبب عدم تورطه الفعلي بأي عمل يخالف القانون, فمجرد نية السفر للانضمام لتنظيم أرهابي لا تكفي لتوجيه اتهام. لم يكن رولو إنسانا سويا حسب شهادات ذويه, وكان منعزلا ويعاني من مشاكل نفسية واجتماعية عديدة. لجأ الجاني إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها تنظيم الدولة الإسلامية في دعايته, ولتجنيد المقاتلين في الدول الأجنبية وضمهم لصفوف التنظيم, ووجد ضالته هناك.
لم تمض ثلاثة أيام على هذه الحادثة, حتى تلتها أخرى. ففي صباح يوم الأربعاء الفائت الثاني والعشرين من تشرين الأول, قام ملثم مسلح بمهاجمة مبنى البرلمان الكندي بمسدس وأطلق النار على أحد الحراس وأرداه قتيلا, وتمكن من الدخول إلى مبنى البرلمان حيث كان رئيس الوزراء وجرى تبادل لإطلاق النار بينه وبين عناصر الحرس المكلفين بحماية المبنى وعناصر من الشرطة والجيش اسدعيت للمكان إثر وقوع الهجوم, وتمكن الجاني من الفرار وسرقة سياره والهروب بها إلى أن أدركته رصاصة أطلقها أحد عناصر الشرطة أردته قليلا. تبين في المساء أن الفاعل هو ميشيل زهاف بيدو وأنه ينحدر من أب ليبي يملك مقهى في مدينة مونتريال وأم كندية وأنه اعتنق الأسلام منذ فترة, وكان تحت مراقبة الاستخبارات الكندية وممنوعا من السفر بسبب نشاطاته المريبة وماضيه, لكن السلطات لم تتمكن من اعتقاله بسبب غياب الأدلة, فكندا دولة يسودها القانون ونظامها القضائي صارم جدا في احترام حقوق المواطن وحرياته.
تعد كندا من الدول الأكثر أمنا في العالم, ومن أكثر المجتمعات تسامحا, فهي تضم أكثر من (34) قومية وأكثر من (90) لغة, ويمارس الكنديون من مختلف الأعراق والأديان ثقافاتهم وعاداتهم وعباداتهم في جو من التسامح والحرية يضفي على هذا المجتمع الكثير من المزايا الفريدة. لكن كندا لا تختلف عن كل المجتمعات الأخرى, وفيها من يضل طريقه, أو يقع يقع ضحية المرض, أو التهميش أو يغرر به ليصبح “إرهابيا”, وفيها من يقع ضحية السياسيات الخاطئة لحكومتها في التعامل مع أزمات العالم. لقد قدمت كندا الكثير من الأموال لمعالجة الأزمة الإنسانية في سوريا, لكن مواقفها السياسية, شأنها شأن معظم الدول, لم ترق إلى ما يتطلع إليه السوريين من مساعدتهم في درء الموت الذي يصبه نظام الأسد عليهم كل صباح وكل مساء ويحصد أبنائهم بالجملة.
أتت هذه الأحداث بعد انضمام كندا للحلف العربي- الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية, وبعد كلمة صوتية لأبي محمد العدناني في الثالث والعشرين من شهر أيلول حث فيها “أنصار الدولة الإسلامية” على ضرب أفراد ومصالح “التحالف الصليبي” في كل مكان وخاصة في أمريكا وفرنسا وأستراليا وكندا. وهذا ماقاله حرفيا:
“قتل كافر أمريكي أو أوروبي، وأخص منهم الفرنسيين الحاقدين الأنجاس، أو أسترالي أو كندي، أو غيره من الكفار المحاربين، رعايا الدول التي تحالفت على الدولة الإسلامية، فتوكل على الله، واقتله بأي وسيلة أو طريقة كانت، ولا تشاور أحدا ولا تستفت أحدا، سواء أكان الكافر مدنيا أو عسكريا، فهم في الحكم سواء، كلاهما كافر، كلاهما محارب، كلاهما مباح الدم والمال”.
في الحال بدأ مناصرو “تنظيم الدولة” نشاطهم على توتير وظهرت هاشتاغ/وسم (#استنفار_العدناني_لمناصري_الدولة) يحث أنصار الدولة على القيام بمهاجمة مصالح وأفراد الحلف الصليبي, واستخدم هذا الوسم للحديث على تويتر عن بضعة حوادث مشابه, منها هجوم مسلح على منزل رئيس الأمن في السفارة السعودية بجاكرتا جرى منذ أسبوعين, ثم مقتل مقاول أمريكي في السعودية على يد مواطن سعودي, وبعدها حادثة دهس الجنديين الكنديين وحادثة الهجوم على البرلمان ومصرع الجندي الكندي. اقتصر استخدام الوسم المذكور على عدد قليل من الحسابات الموالية لتنظيم الدولة، لكنه يظهر كيف توظف هذه الشبكات في استنفار أنصار التنظيم في بقاع الأرض, وفي الاحتفاء الدنيء بموت الآخرين, وفي نشر الكراهية والعنف بين الناس.
لا توجد أدلة على تويتر تشير إلى أن هذه الهجمات قد خطط لها سابقا بمعرفة “تنظيم الدولة”, ومن المرجح أنها لا تتعدى كونها استجابات لخطاب العدناني قام بها أفراد. لكن ذلك لا يخرجها تماما خارج سياق دعوة العدناني للرد على الحلفاء باستهدافهم في كل مكان أو خارج الشعور الكبير بالإحباط جراء فشل العالم أجمع وعدم رغبته بالقيام بأي فعل لحماية السوريين من نظام الأسد.
على الرغم من الجهد الذي يبذله الإعلام الكندي والساسة الكنديون لمنع الناس من الانجرار إلى مشاعر سلبية ينجم عنها نفور جمعي من فئة, إلا أن هاتين الحادثتين لن تمرا مرور الكرام, وسيكون لهما مضاعفات سياسية وأمنيه داخل كندا وخارجها, وستترك هذه الأحداث أثرا على الجاليات الإسلامية والعربية في كندا خاصة وفي شمال أمريكا على العموم. بعد اليوم, لن يكون مبنى البرلمان الكندي مفتوحا لعموم الناس من الكنديين أو غيرهم للدخول إليه, وممارسة حقهم في اللقاء بممثليهم وقت يشاؤون, وحضور جلسات البرلمان والاستماع إلى النقاشات الدائره حول الموضوعات التي تمس حياتهم وعملهم وأسرهم وصحتهم وتعليم أبناءهم في جو من الديمقراطية الساطعه. ستفرض الحكومة إجراءات أمنية جديدة على مبنى البرلمان سيعتاد عليها الكنديون بعد حين إلى أن تزول بقرار جديد أيضا, لكن المشاعر السلبية التي قد تتولد تجاه السوريين والإسلام بعد أن اختطفهما الجهاد الداعشي لن تزول بقرار حكومي جديد.

Exit mobile version