مجلة طلعنا عالحرية

هل نظام الأسد أكثر إجراماً من الكيان الصهيوني؟

كاريكاتير هاني عباس

كاريكاتير هاني عباس

بعد مضي أكثر من أربع سنوات على بدء الثورة السوريّة، تكون قوّات الأسد قد فعلت بسوريا وشعبها ما لم يفعله محتلٌّ خارجيٌّ بشعوب المنطقة. ولعلّ أكثر ما يدمي القلب أنّنا ومنذ أن بدأت الثورة لم نعد نرى في الكيان الصهيوني خطراً وجوديّاً حقيقيّاً، بعد أن جعل الكيان الأسدي وجودنا كشعب وأرض في مهبّ الريح خلال السنوات الماضية، مع أنّ الكلّ يُجمع على أنّ المستفيد الأكبر من عمليّة تدمير الأرض السوريّة وتمزيق شعبها هو ذلك الكيان المتربّص على حدودنا الجنوبيّة، والذي لم يوفّر فرصةً طيلة السنوات الماضية إلا واستخدمها للمزايدة على شعوب المنطقة بمفاهيم التحضّر والديمقراطية والحريّات، معتمداً على ما يجري من أحداث عنف وقمع على مقربة من حدوده الشماليّة والجنوبيّة..

كاد السوريُّ أن ينسى خلال الفترة الماضية قضيّة صراعه مع الصهاينة، وهذا ما لا يلام عليه السوريّون بطبيعة الحال، فما يجري على الأرض يشيب لهوله الطفل.. هذا إن نجا من سكين الذبح الطائفيّة أو البراميل الطائشة أو مغامرات داعش وحالش وبقيّة العصابات المريضة والقاتلة. ليس هذا فحسب، بل سادت بين الناس على الأرض وفي وسائل التواصل الاجتماعي عبارات يتندّر أصحابها على الأيام التي كانوا يضعون فيها الصهاينة في قمّة هرم الإجرام والدمويّة، بعد أن رأوا من حاكمهم الأسديّ ما لا عينٌ رأت من الحقد والإجرام.. وللأسف، فإن إسرائيل لم يعد لها مكان حقيقي على جدول أعمالنا لأنّ الهمّ والألم صارا أكبر من بقيّة القضايا الكبرى، فالأولويّة اليوم هي لإيقاف الحرب، وتضميد الجراح، وإخراج المعتقلين، وعودة المهجّرين، والبدء بالإعمار..

وبينما كان السوريُّ يُحدّث نفسه قائلاً: إن إرهاب الأسد لا يضاهيه إرهابٌ آخر، ولا حتّى إرهاب الصهاينة، أتاه خبر إحراق الطفل الفلسطينيّ “علي دوابشة” على يد مستوطنين حاقدين في الضفّة الغربيّة، لتعيد الحادثة إلى أذهان السوريّين الطبيعة الإجراميّة لهذا الكيان ولأبنائه العقائديّين.. لكن، لم يكد يمضي يوم واحد على الحادثة الرهيبة حتّى خرج إسرائيليون في تل أبيب احتجاجاً على الاعتداء، في حين طلب وزير إسرائيليٌّ سابق بهدم بيوت القتلة المستوطنين.. ممّا جعل السوريّ يعيد حساباته من جديد، فالمجازر البشعة التي تعرّضت لها الأكثريّة المعارضة لم تستفزّ مشاعر “إخوتهم” في الوطن، لا الصامتين منهم ولا المنفّذين لجرائم القتل والتعذيب والإبادة.. فقد كان من المؤلم أن يظهر في قلب إسرائيل حراكٌ شعبي ضد جريمة بشعة، في حين أنّ جرائم مماثلة تحدث في كل ساعة بحقّ معارضين على الأرض السوريّة دون أن يصدر موقف، ولو خجول، من المؤيّدين لنظام الأسد على سبيل التعاطف مع الضحيّة، بغضّ النظر عن موقعها من الصراع الدائر.. هذه الحقيقة المرّة جعلت الجريمة الإسرائيليّة، التي حدثت قبل قرابة الشهرين، أصغر من أن تقارن في وعي الثائر السوري بما شهده من إجرام نظامه، ولعلّ التنديد الخجول الذي صدر من بعض الإسرائيليّين فضح جريمة الصمت المخزي الذي نراه من الذين شاركونا الماء والهواء..

لا شكّ وأنّ الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكون أقل إجراماً من الكيان الأسدي، شأنه في ذلك شأن الكيانات الإحلاليّة بصورة عامّة. تقوم الفكرة الإحلاليّة على سياسة السيطرة على الأرض بعد تفريغها من الناس، إن كان بالإبادة أو بالتهجير الداخلي أو الخارجي، ولا يتوقّف الاستيطان الإحلالي إلّا بحسب مقتضيات المصلحة والإمكانيّات، ممّا يعني أنّ التوقّف قد يكون مرحلة مؤقّتة ليس إلّا، إذ لا نهاية فعليّاً لفكرة الاحلال إلّا بانتهاء الشعب الذي يُراد إزالته لتوطين شعب آخر مكانه.. يقودنا هذا الكلام إلى حقيقة اختلاف الظرف الذي يعيشه نظام الأسد ومؤيّدوه عن الظرف الذي يمرّ به الكيان الصهيوني، فالأوّل يخوض وجماعته معركته الوجوديّة الحقيقيّة الأولى (والأخيرة ربّما)، بينما يعيش الكيان الصهيوني مرحلة تاريخيّة ربما هي الأفضل منذ تاريخ إعلانه، فهو يعدّ الكيان الأكثر استقراراً في منطقة تخوض شعوبها ثورات وحروباً أهليّة ودماراً هائلاً على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والعسكري.. وليس هنالك أدنى شك من أنه لو تعرّض الصهاينة إلى ما تعرّض له النظام السوري فإنّهم سيقومون بمثل ما قام به، ولن أقول أكثر، لا لشيء، وإنّما لأنّ مخيّلتي لا تستطيع استيعاب ما هو أعظم ! وقد أظهرت الأيّام الأخيرة أنّ هذا الكيان لن يتسامح مع أيّ انتفاضة حقيقيّة قد تزعزع استقراره أو تشكّل عقبة في طريق مشروعه التاريخي، وأنّه سيواجه سكاكين الغاضبين، كما واجه حجارتهم من قبل، بالرصاص الحيّ..

تأخذ الصراعات الداخلية الجذريّة بشكل عام طابع الصراعات الوجوديّة، وعادة ما يكون الصراع لإزالة سلطة استبداديّة أكثر دمويّة من النضال لطرد محتلّ خارجي (وهناك استثناءات بطبيعة الحال)، وهذا لا يعود لكون المستبد، أو أحد أطراف الصراع الداخلي، أو جميعها، أكثر دمويّة وإجراماً من المحتلّ الخارجيّ، بل يعود لاختلاف الظرف المحيط بهذا النوع من الصراعات التي تكون إقصائيّة بطبيعتها، حتّى أنّها لا تترك خيارات مناسبة لرحيل زمرة الاستبداد كما يحدث في حالة الاستعمار، ممّا يجعلها تُخرج أبشع الغرائز الوجوديّة من النفس البشريّة..

في النهاية علينا أن نذكر أن إجرام الصهاينة لم يتوقّف عند حدوده النهائيّة بعد، فما زال أمام هذا الكيان عقبة كبيرة تتمثّل في الوجود الفلسطيني الذي يسعى جاهداً إلى إلغائه..

Exit mobile version