مجلة طلعنا عالحرية

هل نحن قادمون على عصر من الحروب الدينية؟

05c1c8b804fcf00232dcae018be17b84

تثير القاعدة ومخلفاتها الجهادية ذعر الغرب بأكمله, وتتخذها الحكومات ذريعة للتدخل في شؤون الدول التي تكتسب فيها هذه التنظيمات نفوذا وحاضنة شعبية, كما يحدث في سوريا والعراق. والقاعدة ومخلفاتها هي مجموعات جهادية إرهابية توصف غالبا في الإعلام الغربي بالمجموعات السنية المتطرفة, دون التممير بأن المذهب السني هو مذهب عريض يتسع لعدد من التأويلات والأطياف بحد ذاته.

لايرى العالم غضاضة في التحالف مع المملكة العربية السعودية, حيث يمارس الإسلام السني السلفي الذي تمارسه داعش منقوصا منه الجهاد, الذي هو, في حقيقة الأمر, مصدر الذعر الذي ذكرناه. ويتحالف العالم أيضا مع إيران, النسخة الشيعية للملكة العربية السعوديه, حيث يفرض الحجاب وتسير دوريات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبفارق وضوح الرؤيا والاستراتيجيه الذي تتفوق فيه مؤسسة ولاية الفقيه على ملوك آل سعود الذين لا يعنيهم سوى صيانة عرشهم الموروث. وتشن الحرب على “دولة الخلافة السنية” التي ولدت من رحم قاعدة بن لادن, مدبر الهجوم على برجي التجارة العالمي, والداعي لمهاجمة الكفار في عقر دارهم وتنخرط فيها إيران بثقلها أو بمن ينوب عنها مثل حزب الله اللبناني, وإيران, هي الدولة الوحيدة التي لازال قادتها ينادون بمحو إسرائيل, طفل الغرب المدلل, من الوجود ورميها في البحر, تيمنا بزعيم القومية العربية جمال عبد الناصر, الذي خسر كل حروبه مع إسرائيل, عدوته اللدود التي توسعت في عهده على أراض فاقت مساحتها قبل عام 1967 خلال أيام قليلة, محققة نصرا كان هو النكسة الأكبر في تاريخ العرب الحديث حتى احتل صدام حسين الكويت, وجلب جيوش العالم لتخرجه منها, وماتبع ذلك من انهيارات لاحقة في العراق والعالم العربي.

يستعين كذلك النظام السوري, الذي أعلن العالم فقدانه لشرعيته يسبب قتل رئيسه لمواطنيه, بميليشيات شيعية عراقية, متطرفة, وإرهابية, مارست جميعها الإرهاب والقتل الطائفي في العراق لسنوات, ضد السنة وضد القوات الأمريكية, وتمارسه اليوم في سوريا, تحت عين العالم المتمدن, وبطلب من النظام العلماني حامي الأقليات, وذلك لقتال التطرف السني القاعدي الجهادي الداعشي النصروي, فيجتمع في صف واحد طيارو قطر والسعودية, وأمريكا وكندا وفرنسا, ومرتزقة حزب الله, وضباط الحرس الثوري الإيراني, والحوثييون, وسفاحو لواء أبو الفضل العباسي والمقاتلون الأفعان الشيعة وحماة الديار الذين تنتهك ديارهم إسرائيل محتفظين بحق الرد دوما, دون أي رد.

تشتعل اليوم في العالم العربي, على حدود تركيا وإيران وقريبا من أوربا وعلى مرمى حجر من منابع النفط الكبرى, حرب دينية بالوكالة. ليس لهذه الحرب أهدافا دينية أبدا، بل هي حرب يسخر فيها الدين, وجموع المتدينين, من سنة وشيعة, وهي حروب بالوكالة لأن من يقاتل فيها ليست الدول التي تتقاتل فعلا, بل مجموعات أو شعوب تنوب عنها, كالسوريين الذين يقاتلون نيابة عن السعودية ودول أخرى في الخليج العربي تحاول يائسة الحد من النفوذ الإيراني الذي يهدد عروشها, ويتلقون دعما منها بوصفهم, حسب ما يقال لهم, الأخوة السنة, الذي يقتلون على يد “الروافض”, فيما يخلو الخطاب الرسمي السعودي, ومثله الإيراني, الطرف الآخر للصراع, من أية إشارات طائفية أو دينية, لكن أرض المعارك تعج بخطابات دينية وطائفية مقيتة, لا تخفى على أحد, من التنظيمات السنية التي تريد محو الروافض إلى تلك الشيعية, التي لن تسمح لأهل الشام بسبي زينب مرتين.

شكل سقوط نظام صدام حسين فرصة ذهبية بالنبسة لإيران للتغلغل في العراق, ودعم ميليشاتها الشيعية المتطرقة والطائفية, والسيطرة النسبية على قرارها السياسي, حين استبدل النظام الصدامي القمعي بنظام لا يقل طغيانا يقوم على تقاسم السطلة بين العرب السنة والكرد والشيعية, بتفوق واضح للمجموعة الأخيرة, وحين توغلت القاعدة التي هبت لنجدة “الأخوة السنة” من براثن الشيعة التي بدأت فعلا تفتك بهم, بدعم من إيران. وتمتد اليوم هذه الحرب إلى سوريا واليمين وتنتظر لبنان والبحرين والسعودية أن تصل إليها, ولا تبدو إيران نفسها في معزل عنها, ولا تركيا السنية التي يحكمها الإسلاميون.

هذه الخلطة المعقدة تنذر بتشعب الحرب أكثر وأكثر, ولا يبدو أن العالم قادرُ, وقد لا يكون مهتما أصلا ولديه الحق, على السيطرة عليها.

شهد العالم الكثير من الحروب الدينية التي طال أمدها, فاستمرت في أوربا مايزيد عن قرن وربع القرن, لكنها تمخضت عن تشكيلات جديدة, أدت إلى بنىً مستقرةً في المجتمعات التي عصفت بها, وقد يكون العالم الإسلامي, المنقسم على نفسه بين شيعي وسني, والمنقسم داخل هذين التصنيفين إلى مذاهب لا تنتهي, لا يقبل بعضها بعضاً, وتتربص بالآخر للفتك به, وتعتبر نفسها الصورة الحق للإسلام الحق, قد يكون هذا العالم الإسلامي على شفا عصر جديد من إعادة التشكل, وقد تعصف هذه الحروب بكثير من أنحاءه, سيما أن الشحن الديني على أشده اليوم.

 

أوكل العالم اليوم محاربة الإرهاب السني إلى الإرهاب الشيعي. وهما وجهان لعملة واحدة. وإذ يشتد الصراع, تنتظر هذه الحروب المزيد من الوقود من أجساد الناس الذين يخوضونها طمعاً بالحياة الآخرة وخلودها, ويقضون, وهم يصبون إلى نعيمها الأبدي, كل ما بناه آباؤهم, ويهدمون حياتهم, وحياة أبناءهم, ولايخلفون سوى الدمار في عالم خلقنا الله فيه لنبنيه.  فأي رسالة تلك أيها المسلمون؟

Exit mobile version