Site icon مجلة طلعنا عالحرية

هل كان من الضروري ما حصل في سوريا؟

Hama

كاوا شيخي

يتردد هذا السؤال كثيراً فالذين تحسنت أحوالهم بعد الثورة يجدون له جواباً واضحاً مؤكدين بنعم كان من الضروري ما حدث فيما يُكال للمتسائل بعض الشتائم لأنه ما زال يتساءل، وتكون الاسباب غالباً عموميات وضروريات تاريخية وحتمية للتغيير، وليس من الضروري أن تكون تلك القناعات التي يجيب بها مقنعة للجميع. أما الذين ساءت أوضاعهم مع الثورة فتكون إجاباتهم في غالبها مقارنة بين ما سبق الثورة وما لحقها من تدهور أحوالهم.
أما التحليل الذي أريد من خلاله التوصل الى إجابة عن هذا السؤال فهو طبعاً يمثل قناعتي الشخصية!
لقد امتدت موجة التغييرات من تونس الى مصر فاليمن وسوريا، وقد أثمرت التحركات في كل البلدان إلا في سوريا حيث أخذت الأمور منحاً آخر مما دفعني والبعض إلى طرح هذا السؤال.
للإجابة عن هذا السؤال لا بد لنا من العودة قليلاً الى الوراء، الى ما قبل الأحداث الأخيرة وكيف كانت تسير الأمور!
أنا مواطن سوري عشت الثلاثين سنه الأولى من عمري في سوريا سأتحدث عن نفسي كي لا يتهمني أحد بالمبالغة.
أنا في الثلاثين سنة التي عشتها في سوريا لم أشعر بوجود الدولة إلا في الحالات السلبية لوجود الدولة!
طبعاً لن أنكر بأنني درست في المدارس شبه المجانية، لكنني أيضاً لن انسَ إنني كنت في تلك المدارس وخاصة بعد انتهاء المرحلة الابتدائية في المراتب الأخيرة بعد البعثيين وأولاد المسؤولين وأبناء الأغنياء. هنا اسجل للنظام خطأ التفريق بين أبناء الوطن الواحد على أسس عرقية ومحسوبيات شخصية.
فالدولة كانت دائما تمثل لنا الخوف, الخوف على مستقبلنا من الضياع في حال اذا اعتقلنا أو اذا تحركنا خارج ارادة الدولة.
طبعاً خارج إرادة الدولة لا يعني بأنني أطالب بأن يسمح لي بإقامة علاقات مع اسرائيل، انما المقصود التظاهر للتعبير عن رفض بعض الأمور مثل ارتفاع الأسعار أو ربما الاعتراض على أذية أحد عناصر الأمن لأحد المواطنين الأبرياء، الدولة التي كان فيها أفرع أمنية بقدر عدد الأفران ومؤسسات توزيع الأغذية.
أما فروع الأمن التي نتحدث عنها فلم تكن بوجودها كأجهزة أمن بل كسلطة استبداد من أصغر حارس إلى أكبر ضابط.
صحيح اننا فوضويون وعودنا الفساد على التهرب من القانون، لكن الأربعين عاماً التي أرهبونا فيها كانت كفيلة بتعليمنا احترام القانون بدلاً من الخوف من الفروع الأمنية! هنا اسجل للنظام إرهابه كدولة بدلاً من احترام الدولة.
اندلعت الثورة في آذار 2011 وتسارعت الأمور.. في البداية رفض النظام كل شكل من أشكال المظاهرات السلمية وأنكرها، كلنا نذكر قصة المذيعة السورية التي قالت بأن الناس خرجت لشكر الله على نعمة المطر, ولأننا مسلمون نعرف بأن المسلمين يخرجون لصلاة الاستسقاء أما صلاة الشكر فتؤدى في البيت أو الجامع, هنا اسجل للنظام بدأه بالفبركة الإعلامية وازدياد بطشه العسكري بالمدنيين.
سالت الدماء وقُتل الكثيرون، اكتشفت الدولة بأن الوضع ليس ككل مرة فالقصة هذه المرة أخطر وخاصة مع وجود هذا الكم الهائل من الاعلام الذي يسخر كل شيء لخدمة فكرته. الحكومة تبدأ حزمة اصلاحات والشعب يريد اسقاط النظام، والنظام مستعد لإفناء الشعب ولن يتنحى!
تطورت الأوضاع والى جانب الاصلاحات اشتدت آلة القتل وتحولت المظاهرات الى جنازات وسارت باتجاه المقابر وسرعان ما وجد المشيعون انفسهم اهدافاً ثم شهداء..
هنا اسجل للنظام أنه قد استخرج من الأقبية كل الآليات التي كان يشتريها للحرب ضد العدو لتكون لحماية كرسي الحكم!
تطوع الى جانب الجيش وفروع الأمن الكثيرون ممن جلبوا معهم مصطلح شبيحة والكثير من الطائفية وجنودا من حزب الله والمرتزقة. كل هذا كان من أجل اخضاع شعب استفاق فجأة من غيبوبة..
انشق بعض الضباط من الجيش وانشق بعض العسكر والجنود عندما اكتشفوا بان هراواتهم تنهال على رؤوس اهاليهم وان رصاصهم يقتل الأبرياء..
حتى هذه المرحلة وعلى الرغم من كل الأسى المتواجد على الساحة إلا أن الثورة السورية كانت تعيش عصرها الذهبي..
النظام يقتل الشعب والقليل من العسكر المنشقين كان يحمونهم بمعداتهم القليلة, هنا كانت الصورة تذكر بمحاولات السوريين للتحرر من العثمانيين والفرنسيين، وكان هناك مصطلح اسمه ثورة وثوار، إلا أن النظام قرر أن لا يستسلم فازداد عدد المعتقلين والضحايا. ولم تستجب الدول للنداء بل كانت هناك مساعدات مالية, وهنا كانت السقطة الكبرى!
دفع النظام بالأمور الى ما آلت اليه، ولكن المال السياسي المتدفق على الثورة كان كرائحة الجيف التي تستقطب الضباع، فامتلأت الساحة بالباحثين عن الغنائم وصار النظام وإسقاطه من آخر أهداف هذه الجماعات، بل أصبح الهدف هو إطالة أمد الثورة لاستحصالٍ أكثر للأموال!
وهنا اسجل للنظام تعنته أكثر واستغلاله لوجود تلك الجماعات التي مكّنها من بعض المناطق كي يُظهر للشعب الفرق بينه وبينهم.. والكثيرون ممن رأى مناظر قطع الرؤوس والاعدام في الساحات العامة وجلد المذنبين.. راح يتساءل هل كان من الضروري ما حدث في سوريا؟ أما كان من الأفضل لنا البقاء تحت رهبة الأمن بدلاً من سيف سلطة عدم توافر الأمن؟
الحل الأمثل اليوم هو إسقاط النظام وعقليته وأشكاله وأوجهه كونه الصانع الأول لإرهاب داعش وسواها.

Exit mobile version