قبل حوالي ثلاثة أشهر كتبت في مجلة طلعنا عالحرية مقالة تحت عنوان “قراءة لقرار مجلس الأمن الأخير” ذكرت فيه ما يلي:
1- هناك تقاسم للأدوار بين الفاعلين الإقليمين والدوليين، وما يظهر أنه خلافات دبلوماسية بين الدول هو في الحقيقة تناسق وتناغم متفق عليه فيبدو أن الدولتين العظميين متفقتين على أن تتعهد روسيا بالوضع الميداني وتهيئته، وأن تتعهد أمريكا بتهيئة الساحة الدبلوماسية، بينما تتكفل الدول الإقليمية بالضغط على الأطراف التي تدعمها للسير في كنف هذا الخط.
2 – وجود خطة تسوية سياسية وفق الركائز التالية:
أ- تخفيف حدة الصراع وخلق البيئة السياسية المناسبة.
ب- خلق خطوات بناء الثقة بين الأطراف.
ج- تحييد جميع من يرفض أو يقف عائقاً أمام السيناريو المحتمل.
د- دفع كل الأطراف للاعتراف بالآخر والاعتراف بوجوده وما يمثله وما يبتغيه من مصالح.
هـ- الدخول في مفاوضات تفضي إلى إيجاد اتفاق سياسي ينهي هذا الصراع.
ولعل تطورات الثلاثة أشهر الماضية تؤشر إلى أن البنية التحليلية التي قامت عليها المقالة المذكورة تصلح للبناء؛ فالأساس الذي تعتمده القوى الدولية لمقاربتها الوضع السوري هو تصنيف الصراع في سورية بأنه صراع أهلي، وليس ثورة شعبية مرتكزها الرئيسي سياسي متصل بإيجاد التنظيم السياسي الاجتماعي القادر على خلق حالة من العدالة الاجتماعية والمساواة وبما يحفظ حقوق وكرامة المواطن السوري. وعلى ذلك فإن السيناريوهات المتوقعة لتطورات الوقائع على الأرض في الأيام القادمة لن تخرج عن هذا السياق؛ فجميع الخطوات التفاوضية ستندرج تحت هذا المفهوم فسنشهد حالة تثبيت لخطوط فصل مناطقي أساسها سياسي قائم على أساس مناطق معارضة ومناطق موالاة بالإضافة إلى تكثيف خطوات بناء الثقة، كإدخال المساعدات وتخفيف حدة الحصار على المناطق المحاصرة وقد تصل إلى إطلاق سراح المعتقلين مع إطلاق جهد تفاوضي ربما يكون قادراً على إنتاج صيغة توافقية سياسية ترضى القوى الأساسية الداخلة في العملية التفاوضية. ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه وبقوة: هل بعد انتهاء كل ذلك ستكون الثورة منتصرة أم مهزومة؟
أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تستوجب أن نكون على أعلى قدر من المكاشفة مع الذات قبل كل شيء، فالوضع في عام 2011 يختلف اختلافاً جذرياً عن الوضع الحالي مع بداية 2016؛ ففي عام 2011 كان هناك حالة تفجر شعبي لها حاضن سياسي قام على مبادئ أخلاقية ومصلحية سامية مسّت غالبية الشعب السوري، وكانت تستهدف انتزاع حقوق الحرية والكرامة من نظام مجرم مستبدّ، وبناء سورية ديموقراطية مدنية. ولكننا بعد 5 سنوات بقي النظام فيها موجوداً وأصبح هناك قوى عديدة تسعي إلى إسقاط هذا النظام، ولكن هل جميع هذه القوى تحمل مشروعاً متوافقاً ومتماهياً مع قيم الثورة الأولى؟ أو أن لهذه القوى مشاريعها الخاصة والتي قد تعيد إنتاج أشكال من النظم السياسة قد لا تختلف في جوهرها عما كان سائداً.
في عام 2011 استطاعت الثورة السورية إنتاج مشروع ذي جناحين متلازمين، استطاعا أن يقنعا نسبةً كبيرة من الشعب السوري، وهما:
الجناح الأول: هو الجناح الأخلاقي -القيمي حيث دعت الثورة لتحقيق أهداف تتعلق بقيم يطلبها كل إنسان على وجه الكرة الأرضية وهذه القيم هي الحرية والكرامة والمساواة…
الجناح الثاني: هو الجناح المصلحي القائم على أن انتصار الثورة السورية وإسقاط النظام هو في النهاية سينعكس مصلحة لكل مواطن سوري من حيث اكتساب الحقوق الفردية وتحسين مستوى التنمية الاجتماعية وتحقيقي العدالة الاجتماعية وغيرها..
ولكن بعد خمس سنوات اعتقد أن هذين الجناحين قد اهترأا ولو بشكل نسبي لكل منهما؛ فالجناح المبدئي أصيب بطعنات متتالية نتيجة التصرفات التي تلمسها الشعب من عديد المؤسسات والأفراد الذين تبوؤوا دفة قيادة الحراك الثوري والذين -نتيجة طول عمر الثورة- وقعوا بأخطاء من حيث لم يدروا لم يتم تحميلها لهم بل للثورة بشكلها العام. أما على مستوى الجناح المصلحي فأعتقد أنه لا يمكننا نكران أن مجمل أفراد الشعب السوري قد تكبد أضراراً مهولة على المستوى الشخصي، وخاصة بأن ما كان يُطمح إليه من خلال التغير انعكس قتلاً وتهجيراً ودماراً وفقراً وأموراً مأساوية أخرى.
وعلى ذلك، فإذا ما عدنا إلى سؤالنا الرئيسي هل ستفضي تطورات الوقائع القادمة إلى انتصار للثورة، يمكنني القول إن ذلك يعتمد أساساً على قدرتنا على إعادة ترميم الجناحين السابقين من خلال إعادة بثّ الروح في قيم الثورة الأولى وإطلاق مشروع إصلاحي يجد فيه عامة أفراد الشعب مصلحتهم الخاصة والعامة. ولعل أهم ركن من أركان بناء هذا الأمر هو ترسيخ العدل في مناطق سيطرة الثورة.
ولكن إذا ما فشلنا في ذلك فقد نستطيع إسقاط النظام نتيجة توزان القوى وقناعة مراكز القوى الدولية والإقليمية بأن إنهاء الصراع لا يمكن تحقيقه بوجود النظام، ولكن هذا لا يعني أن الثورة قد تنتصر، لذلك فالمرحلة المقبلة مرحلة عمل وجهد حثيث لإعادة بوصلة الثورة إلى وجهتها الأولى، ونبذ كل انحرافات خارج هذه الواجهة وحينها يمكننا الجزم بأن الثورة انتصرت بمفهومها الأصيل القائم على التغير من بنية نظام اجتماعي وسياسي قائم على مبادئ الظلم والطغيان باتجاه نظام سياسي اجتماعي قائم على أساس من العدالة والحرية.
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق