المحامي ميشال شماس
كَثُرتْ في الآونة الأخيرة الأحاديث والمبادرات الداعية لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وأثارت معها الكثير من التساؤلات، فما الذي تغيّر في الوضع السوري، حتى ندعو اللاجئين السوريين في أماكن اللجوء للعودة إلى ديارهم؟ وهل أصبحت الظروف مهيأة الآن لعودة اللاجئين إلى سوريا؟
قبل الإجابة على تلك التساؤلات، لابد من التأكيد على أن من حق اللاجئين السوريين العودة إلى ديارهم وبيوتهم في أي وقت ومتى يشاؤون، وأن توفر لهم كافة الظروف المعاشية والحياتية، وفي مقدمها المأكل والملبس والمشرب، والكهرباء والماء والتدفئة وضمان حرّيتهم في الرأي والتعبير والتنقل دون أي عوائق.. الخ، وهو حقّ نصت عليه الشرائع السماوية وكافة المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
ولنفترض جدلاً أن ثمة عدد من اللاجئين استجابوا لتلك الدعوات وقرروا العودة إلى سوريا، فإلى أين سيعودون؟ هل إلى بيوتهم التي نُهبتْ محتوياتها وهُدمتْ حتى سويت بالأرض؟ ومن سيعوضهم على نهب بيوتهم وتدميرها، ومن يضمن لهم توفير الحد الأدنى من المعيشة، إذا كان النظام نفسه بات عاجزاً عن تأمينها حتى للمواطنين القاطنين في مناطق سيطرته، والذين يئنون من وطأة الجوع والحرمان وانقطاع المياه، والحرمان من الكهرباء ووسائل التدفئة.. الخ، وأصبحوا بدورهم يفكرون جدياً في طريق يساعدهم للخروج من سورية؟ ومن هي الجهة التي ستضمن ألاّ يتعرض أي من اللاجئين العائدين للملاحقة والاعتقال، إذا كان السوريون الذين يعيشون داخل سوريا الآن لا يأمنون على حياتهم، فمجرد الكتابة على “الفيس بوك” تعرض كاتبها للملاحقة والاعتقال والتعذيب؟ ومن يضمن عدم قيام نظام الأسد بسوق اللاجئين من الشباب إلى الخدمة العسكرية لسدّ النقص الحاصل في صفوف جيشه، نتيجة عزوف الكثير من الشباب الذين يعيشون في مناطق سيطرته عن المشاركة في الخدمة العسكرية، وفضلوا الهرب خارج البلاد أو الاختباء عن أعين المخابرات أو دفع الرشى الباهظة؟
إن المتتبع للأوضاع الحالية في سورية، سيكتشف دون عناء أنها مازالت غير مهيأة أبداً لاستقبال اللاجئين، والأوضاع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، في ظل استمرار النظام في ممارسة سياسته الأمنية التي كانت سبباً في انتفاضة السوريين عليه، وشكلت أيضاً وماتزال تشكل سبباً إضافياً في تهجير ملايين السوريين، وعجزه المستمر حتى عن توفير الحد الأدنى من المعيشة والشروط الحياتية حتى للموالين له.
ليست غايتي من طرح تلك الأسئلة وغيرها من التساؤلات، الوقوف في وجه عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، أو منعهم من العودة إلى بيوتهم، فلا أحد يستطيع حرمان أي لاجئ سوري من حق العودة إلى وطنه وإلى بيته، بل إن جل غايتي وهدفي هو البحث عن أفضل الطرق لعودة اللاجئين إلى ديارهم، بما يؤمن لهم عودة كريمة تحفظ لهم حقوقهم وكراماتهم، وأن يعوّض لهم عن ممتلكاتهم المنهوبة وبيوتهم التي سوّيت بالأرض، وتوفير الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية لهم، وحمايتهم من التعرض لهم في حياتهم، ومنع الأجهزة الأمنية من ملاحقتهم، وعدم سوق أبنائهم إلى الخدمة العسكرية.. إلى آخره من الإجراءات والشروط التي يجب توفرها قبل عودة اللاجئين إلى وطنهم.
إن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، هي حق لهم لا يجادلهم فيه أحد، لكن دفعهم للعودة في هذه الظروف غير الملائمة، إنما يهدف إلى تبييض صفحة النظام وتلميع صورته وإعطائه صك براءة، وإعادة تأهيله من جديد، وكأن شيئاً لم يكن، عدا عن توريط اللاجئين وتعريض حياتهم للخطر.
المطلوب اليوم هو تحسين شروط إقامة اللاجئين في أماكن اللجوء وتقديم العون لهم، ريثما تتوفر الشروط اللائقة لعودتهم، بما يحفظ كرامتهم وحقوقهم، والتي يأتي في مقدمها وقف القتال نهائياً، وطرد كافة المسلحين الأجانب وفي مقدمهم مسلحي إيران وحزب الله وحلفائهم، وتسريع عملية الانتقال السياسي بدءاً بتشكيل حكومة مؤقتة كاملة الصلاحيات تعمل فوراً على تهيئة الظروف الملائمة لعودة اللاجئين، كتأمين أماكن سكن بديلة ولائقة، ومنحهم التعويضات المناسبة عن بيوتهم التي نهبت وتهدمت وتوفير الخدمات الأساسية من أمن ومأكل وماء وكهرباء وتدفئة.. الخ.
إن الأولوية اليوم تبقى لإطلاق سراح المعتقلين في مسالخ وزنازين المخابرات، ومن أولى واجباتنا كسوريين أن نعمل على إنقاذهم من التعذيب الوحشي والقتل اليومي.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج