محمد هشام – التل
لم تعد أزمة شحّ الكهرباء التي اكتسحت مختلف الأنحاء السورية تعتبرُ معضلة أو عائقاً جديداً من العوائق التي تضيّق الخناق على حياة أبناء الداخل السوري ومعيشتهم، وإنما وبحسب ما تنطق به صور معاناتهم فإنّه قد بات واقعاً علمتهم سنوات الحرب الطويلة أن يتكيفوا معه ويعتادوا على مرارته، وذلك بعد خروج كثير من محطات توليد الكهرباء على امتداد الأراضي السورية عن الخدمة، بفعل القصف والدمار والمخلفات الدائمة للحرب.
ويُذكرُ أن حصّة المواطنين من الكهرباء تختلف من محافظة ومدينة لأخرى، استناداً إلى حجم الدمار والضرر الذي لحقَ بمحطاتها ومؤسساتها الحيوية، أو محطات الوقود والكهرباء المسؤولة عن إمدادها وتغذيتها بالطاقة، إلّا أنّ الضرر الأكبر كما هو مُلاحظ بات يتركز وينتشر في الفترة الأخيرة في الأرياف والنواحي بالدرجة الأولى، ثمّ بمراكز المدن والمحافظات بالدرجة الثانية، مؤدياً بذلك إلى إصابة كثير من جوانب حياة المواطنين بالشلل، وحرمانهم من التمتع أو الاستفادة من كثير من مقومات معيشتهم وحياتهم، والتي تعتمد على الطاقة الكهربائية في فعاليتها ونشاطها.
طلعنا عالحرية دخلت إحدى المناطق (التل) والتي تعيش حالة من المصالحة مع قوات النظام، لتستعرض واقع معاناة المواطن السوري في أماكن النزوح جراء أزمة الكهرباء.
“هي شيء بتنا نسمع أنه موجود في بلدان متطورة” هكذا عبرت أم يمان التي تنحدر من مدينة عربين، وأمّ لخمسة أولاد، عند سماعها لكلمة كهرباء، وأردفت مجيبة عند سؤالها عن حصة بلدتها من الكهرباء: “ساعتان خلال اليوم بأكمله، في كل من فصلي الشتاء والصيف، في البرد الشديد، والحر الشديد”.
وتابعت بسخريةٍ: “أما في الفصول الأخرى فالوضع مختلف جداً، فهي أربع أو ثلاثُ ساعات كاملة خلال الأربع والعشرين ساعة”.
المشكلة انعكست بدورها على طبيعة حياتها كربّة أسرة في تلبية متطلبات أولادها وأسرتها اليومية، في مجالات الطهي والتدفئة وغسيل الملابس، حيث قالت عن ذلك: “كما هو الحال بغالبية العوائل المهجّرة، فقد نسيتُ كيفية استعمال الغسّالات الكهربائية، لندرة الكهرباء، وبت أعتمدُ على الغسيل اليدوي للملابس”.
وبعد استحالة توفّر مادة الغاز، وغلاء ثمنها حال توفّرها، وندرة توفّر الكهرباء في النهار بالمنازل، تحدّثت أم يمان عن “نوبات سهرٍ” باتت تتبادلها مع أولادها في الليل أمام السخانة الكهربائية في غرفة الجلوس، “أملاً بقدوم الكهرباء، وحرصاً على عدم إفساد الطبخة التي وضعتها عليها، أو نشوبِ حريقٍ في المنزل”.
السعر المُرتفع للحلول البديلة
تردّد أبو يمان زوجها طويلاً قبل أن يقرر شراء الليدات الكهربائيّة لإنارة جوانب منزله، لتمكين أولاده وبناته من الدراسة وأداء واجباتهم المنزلية بدلاً من الاعتماد على الشموع التي تشكلُ عبئاً اقتصادياً كبيراً على كاهله، على ندرة توفرها أيضاً.. ليس كرهاً بالضّوء، وإنما لأنّها تحتاج إلى تجهيزات أخرى معها، باهظة الثمن، وتكلّف قرابة 35 – 40 ألف ل.س، ثمن البطارية وشاحن ومحول كهربائيّ؛ حيثُ يمكّنهم الأخير بالإضافة إلى الإنارة، من الاستفادة من هذه التجهيزات في شحن هواتفهم النقالة، وحواسيبهم المحمولة، ولمبات توفير الطاقة، وبعض الأجهزة الكهربائية ذات الاستطاعة الصغيرة. يقول أبو يمان: “كان عليّ أن أستدين 20 ألفاً فوق مرتبي الشهري إن أردتُ أن أنيرَ أرجاء المنزل وأن لا أبدو كمن يعيشُ في كهفٍ مع أولاده منقطعاً عن العالم”.
يقول مؤيد أكبر الأولاد في العائلة سنّاً، والذي يدرس الحقوق في الجامعة، تعليقاً على تذمّرَ زملائه الذين يقطنون في مناطق أخرى مختلفة من العاصمة، من كونه يجهلُ ما يدور على الشّاشات من أخبار: “ساعتان أو ثلاث ربّما في الأسبوع، هي الساعات التي تُتاح لي فيها الفرصة للجلوس أمام الشاشة لمطالعة ما يجري في العالم بشكل سريع”، وعن استياء أصدقائه والمقرّبين منه من أنّ هاتفه المحمول مُطفَأٌ غالب أوقاته يعلّق مؤيد ساخراً: “في المرات التي أتمكّن فيها من شحن بطارية هاتفي 100%، فإني أسعدُ سعادةً لا يعادلها إلا سعادة انتهاء الحرب”!
وتحدثنا العائلة عن أن الاستغناء عن استخدام المراوح والغسالات والمدافئ الكهربائيّة بالإضافة إلى بعض تجهيزات المطبخ الكهربائية لم يكن قراراً إراديّاً، وإنّما واقعٌ وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التكيّف معه، من ثمّ إيجاد وسائل وطرق أخرى بديلة لتلبية حاجاتهم بمعزلٍ عن تلك التجهيزات، مثل استخدام الحطب في التدفئة والطهي، والغسيل يدوياً، والاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل رئيسي في معرفة آخر الأخبار والمستجدات فيما يخص سوريا والعالم.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج