غياث الجندي
إذا كانت حتمية الانهيار السوري كارثية على السوريين بمجملهم، فإنها أكثر كارثية على النساء السوريات. لقد اضطرّت النساء السوريات إلى المجازفة والهروب من جحيم ما يحصل في سورية نحو مخيمات اللجوء المُنتشرة في الدول المجاورة أو اليونان وغيرها من الدول الأوربية.
في مخيمات اللجوء، لا تقل الحياة بشاعة بالنسبة للنساء عمّا شاهدن في سورية قبل الرحيل، باستثناء النجاة من القذائف والبراميل المتفجرة. ففي لبنان مثلاً، تعرّضت النساء السوريات -ومن ضمنهنّ فتيات بعمر الطفولة- إلى الاستغلال الجنسي البشع من قبل أشخاص من المفترض أنهم يقومون بحمياتهن بعد هروبهن نحو النجاة.
لقد خيرت النساء ما بين الإهانة والذل والجوع، وبين التنازل عن كرامتهن. ففي تقرير عرضته مؤخراً “القناة الرابعة” البريطانية (قمت بتحريره وترجمته) تكلمت أكثر من خمس نساء عن معاناتهنّ في مخيمات اللجوء اللبنانية. في نفس البرنامج تكلمت سيدة من ريف دمشق كيف اشترط أحد موزعي وقود التدفئة عليها أن تزوره في بيته لتحصل على الوقود وحين رفضت ذلك بشدة وبينت له كيف فقدت زوجها في قصف النظام للمنطقة السكنية، “تنازل” الشخص وقال لها يمكن لابنتك (13 سنة) أن تقوم بالمهمة! لم تكن تلك إلا واحدة من عشرات الحالات التي حصلت وتحصل كل يوم في تلك المخيمات. هناك، في تلك المخيمات، لا يوجد مساعدات إنسانية للاجئين بشكل عام، أو هنالك مساعدات شحيحة تضمن لهم بقاءهم اليومي فقط. وليس هناك أي مقومات تضمن للنساء السوريات الأمان. معظم النساء اللاجئات في المخيمات فقدن أباءهن أو أزواجهن في الحرب، وهذا يجعلهنّ فريسة سهلة لأصحاب السلطة في المخيمات. أيضاً تنبع هذه الحالة من الصورة المجتمعية والدينية السائدة أن النساء فقط “يسترهن” الزواج.
في نفس المخيمات ومخيمات في بلدان أخرى من ضمنها الأردن وتركيا، قامت مجموعات تعمل في المخيمات بترتيبات مشينة تكللت بالزواج المبكر لفتيات سوريات تحت السن القانوني لرجال تبلغ أعمارهم أضعاف أعمار الفتيات المتزوجات، هم من دول الخليج ودول عربية أخرى. لقد مرّت هذه الحالات بصمت مخيف؛ حيث لا تحظى هذه الفتيات ولا حتى النساء بأدنى حدّ من الحماية القانوية، ولا توجد أيضاً أي عمليات توعية لأهالي الفتيات، ناهيك عن الوضع المادي للأهالي هناك، والحاجة الماسة للناس للخروج من أجواء المخيمات السيئة بأي طريقة. لم تكن هنالك خيارات أخرى أمام النساء والفتيات، ولكن كان هنالك خيار وهدف واضح أمام المجموعات تلك؛ ألا وهو استغلال هؤلاء الفتيات. إنها ثقافة استغلال النساء وخصوصاً في فترة الأزمات كالأزمة السورية الحالية.
أمّا في مخيمات اللجوء اليونانية حيث يوجد أكثر من 55000 لاجئ ولاجئة عالقين في ظروف شديدة الصعوبة، حيث لا توجد مساعدات ولا أماكن تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة، تبقى النساء في قمة المتضررات من الظروف المفروضة عليهن. فبالإضافة إلى غياب الدعم الحكومي والمؤسساتي، وغياب المنظمات المعنية بحقوق المرأة بشكل عام، تعيش النساء في جو مشحون بالخوف والقلق من الظروف السائدة ضمن هذه المخيمات.
أكثر من 400 امرأة قلن إنهنّ تعرّضنّ للتحرش الجنسي من قبل رجال من جنسيات مختلفة، بما فيها الجنسية السورية ممّن يعيشون ضمن المخيمات! وذلك في إطار مجموعة مقابلات أجريت مع أكثر من 500 امرأة وفتاة، وعدد كبير من هؤلاء الفتيات والنسوّة صرّحن بأنهنّ لا يتجرأن على الخروج خارج الخيم أو الكرافانات، حيث يخشين التحرش الجنسي اللفظي أو الجسدي. هنالك عدد كبيرمن النساء في المخيمات اللواتي يعشن مع أطفالهن، حيث ينتظرن لمّ الشمل لأزواجهن في البلدان الأوربية أو هنّ نساء فقدن أزواجهن في الحرب السورية أو في أماكن احتجاز النظام.
قد يبدو الوضع القانوني بالنسبة للنساء في اليونان أفضل منه في الدول المحيطة بسورية مثل لبنان ومصر والأردن وتركيا، لكن هنالك عقبات كثيرة تواجهها المرأة كذلك، أوّلها عدم وجود خطة موحّدة من الحكومة اليونانية لحماية النساء، بالإضافة إلى تردّد النساء في التقدم بشكوى ضدّ المتحرشين خوفاً من المجتمع المحيط في المخيمات، وخوفاً من خطر وقوف المجتمع ضدّ المشتكيات واتهامهنّ: “بأنها هي أصل المشكلة” وبغيرها من المفاهيم المجتمعية السائدة.
الأسوأ من كل هذه الظروف التي تعيشها النساء في تلك المخيمات، تبقى الفتيات الصغيرات والأطفال بشكل عام بدون أي عملية تعليمية أو توعوية. واذ تغيب عن المشهد قضايا الزواج المبكر، فإنّ قضايا التحرش الجنسي بالفتيات القاصرات موجودة وبكثافة داخل المخيمات.
هذه الصورة القاتمة لأوضاع النساء في مخيمات اللجوء تحتاج إلى حلول عاجلة من ضمنها الوضع الفوري لآليات حماية قانونية وإنسانية تضمن للنساء الأمان وتمنع زواج القاصرات اللواتي هن عرضة للعنف والإساءة. وأيضاً ينبغي وضع آليات توعوية للرجال من أجل الحدّ من التحرش الجنسي بالنساء.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج