لنتجاوز الاختلافات في تحليلات الأحقية في حرب روسيا البوتينية على أوكرانيا.. يبدو تمايز السوريين الأساسي واضحاً؛ جمهور الثورة ضدّ روسيا ومع أوكرانيا، وقد كانوا كذلك أثناء الثورة الأوكرانية في 2014 والتي كان اسمها “ثورة الحرية والكرامة” أيضاً. فيما يقف جمهور النظام الأسدي ضدّ “الغرب النازي” وضدّ “سياسة القطب الأوحد”..
في هذه الضفة يُرفع العلم الأوكراني الأزرق والأصفر إلى جانب علم الثورة، وفي تلك تُرفع صور “أبو علي بوتين” مع صور “أبو حافظ” حليفه والناجي بفضل مساندة الأول الحاسمة، ولا تستبعد أن ترى بجانب الصورتين بسطاراً عسكرياً مبجّلاً فوق الرؤوس!
الانحياز مع المستضعف خيار بسيط ولا يحتاج لإحاطة معرفية وكثير من التفاصيل، يكفيه فقط ضمير حي. لكن رغم ذلك، من الصعب أن تحضر الموضوعية في الاصطفاف، خاصة في حالتنا؛ فكيف نتكلم عن الإمبريالية الغربية وتاريخ أمريكا الدموي، أو نتفهم تململ الروس من انقلاب الغرب على اتفاقيات -معلنة وغير معلنة- حول توازن القوى واحترام الأمن القومي والتوازن العالمي.. ومازال دمنا المسفوك ساخناً من الإجرام البوتيني؟ وكيف يمكننا كذلك أن نستمع بعد الآن لتبجح الغرب بحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية؟ ومزاعم “أصدقاء الشعب السوري” الذين دعموا السوريين بـ”الأسلحة غير الفتاكة” بالتقطير، بينما وصلت مضادات الطائرات للجيش الأوكراني مباشرة، وفتح باب تطوع المقاتلين من دول أوربية لمؤازرة الجيش الأوكراني.. وخطابات مرحّبة باللاجئين الأوكرانيين الهاربين من الحرب..
من المؤسف أيضاً أنه خلال إرهاصات الحرب على أوكرانيا، تسمع تبريرات كثيرة لأطرافها. تبريرات وذرائع عن كل شيء يتعلق بالاقتصاد وخطوط الغاز، ونظم بنكية، وماضي السوفييت وخذلان الغربيين وكذبهم.. عن التاريخ، والحساسية الجغرافية.. وعن وعن.. بحيث يبدو الأوكرانيون أنفسهم طرفاً جانبياً في المعادلات.. نتكلم عن 40 مليون نسمة، أوربيين “بيض” “ليسوا سوريون انتخبوا قيادتهم ديمقراطياً!
في خطابه المؤثر عشية شنّ الحرب على بلده، قال الرئيس الأوكراني: “نحن وحدنا.. القوى العظمى تراقب من بعيد”، ورغم نسبية هذه الـ”وحدنا” أمام وحدة شعوب منطقتنا المنكوبة، بدا الرئيس الأوكراني مثل ضيف السكتش الكوميدي من مسلسل الأطفال الشهير “شارع السمسم”، الضيف كان عالماً، بحث ودرس حتى وصل لاختراع أطلق عليه اسم “حاميات الأرجل” ثم يكتشف أن كل الناس يعرفون الجوارب قبل “اختراعه” بسنوات طويلة.. فقبل خذلان الأوكرانيين، الأمريكان والغرب تركوا الأكراد للريح بعد وعود وأماني، وكذلك خذلوا الأفغان والباكستانيين والمصريين.. وقائمة طويلة من المتروكين لمصيرهم أمام نذالة الغرب الديمقراطي صاحب شرعة حقوق الإنسان. لا داعي لاستحضار المثال السوري، أو الهندي الأحمر!
لو نجح الروس بإخضاع أوكرانيا ستعزز شريعة الغاب -الموجودة أصلاً- بأن القوي يفرض احترامه، وإن افتقر لعدالة المطلب. وحتى لو تجاوزت أوكرانيا المحنة أو لو صمدت حيناً وحققت شيئاً ضدّ الروس، فستصل رسالة مكررة للشباب في بلادنا هي استمرار لضخ محفزات التطرف والعنف؛ فلا شيء يحمي بلدك وأهلك من بطش الجبارين، لا الدكتاتورية بأجهزة مخابراتها وعسكرها، ولا الديمقراطية ببرلمانها وصحافتها الحرة، وإنسانيتك مسألة نسبية في حسابات عنصريين، يريدون تعليمك التحضر.
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.