مجلة طلعنا عالحرية

نحمي بعضنا.. حملة لنبذ العنف الأسري في الرقة

الرقة – عبد الله الخلف

بعد أن حضر أبو سليمان (36 سنة) إحدى الجلسات الحوارية التي أقامتها منظمة بيت المواطنة، في حي مفرق الجزرة بمدينة الرقة حول التفكك الأسري، قرر الذهاب لمنزل أهل زوجته ومصالحتها بعد شهر من الخلاف بينهما.
يقول أبو سليمان إن الأفكار والقيم التي سمعها وتحاور بشأنها مع نشطاء المنظمة خلال الجلسة، جعلته يفكر ملياً في علاقته مع شريكة حياته، “الجلسة أتت في وقت كنت أنا شخصياً محتاج إليها، كنت أريد من يقول لي هذا الكلام ويشجعني على إعادة المياه لمجاريها مع زوجتي”.
ويبين أن البيئة المحيطة به كانت تشعره على الدوام بأنه سيكون شخصاً ضعيفاً ومهزوماً إذا ذهب لمصالحة زوجته، ولكن عقب المناقشات في الجلسة، شعر بأنه استيقظ من غيبوبته على وصفه، “فكّرت كيف أن المفاهيم التي كانت معبأة في رأسي محض هراء، والمهم هو أن تكون علاقتي بزوجتي يسودها الحب والتفاهم والاحترام من أجل مستقبل أفضل لنا ولأطفالنا”.
الجلسات الحوارية التي حضرها أبو سليمان هي إحدى أنشطة حملة “نحمي بعضنا”، والتي أطلقها مركز المرأة في منظمة بيت المواطنة بأواخر شهر آب الماضي، واستمرت حتى نهاية تشرين الأول الفائت.
تهدف الحملة بحسب القائمين عليها لـ “تعزيز قيم الأبوّة والاحترام واللاعنف في الأسرة، ونبذ التفكك الأسري والعنف الذي تفاقم خلال الأعوام الماضية، نتيجة الظروف العصيبة التي عايشها السكان بعد سنواتٍ من الحرب الطاحنة” حسب تعبير يسرى الأحمد منسقة مركز المرأة في بيت المواطنة.
تشير يسرى إلى أن الحملة موجهة للعائلات، ولكن بشكل أساسي للرجال، لمحاولة توعيتهم بخصوص قيم الأبوّة والاحترام واللاعنف التي تراجعت في المجتمع وفق رؤيتها، “أطلقنا هذه الحملة بعد أن شاهدنا التدهور الكبير في العلاقات الأسرية في المجتمع، نتيجة الفقر والنزوح الذي بات يعيشه الكثيرون، أو انتشار المخدرات التي أدت بدورها لتفاقم المشاكل العائلية، ووصولها لحد الجرائم التي نسمع عنها بين الحين والآخر”.
الحملة استهدفت اثنين من أكبر أحياء مدينة الرقة في الكثافة السكانية، وهما حي رميلة ومفرق الجزرة، وتضمنت عدة أنشطة؛ أولها جلسة تعريفية بالحملة لوسائل الإعلام والسكان المحليين، وبعدها انطلقت باقي الأنشطة التي تتحدث عنها يسرى الأحمد لـ طلعنا عالحرية.
“الجلسات الحوارية كانت أساس الحملة، عقدنا عدة جلسات على مدار شهرين، استهدفنا 150 شخصاً معظمهم رجال في الحيين المذكورين، كانت النقاشات حامية في بعض الأحيان، في البداية معظم الأهالي لم يتقبلوا الفكرة، ربما اعتقدوا أن المنظمة إغاثية والأفضل هو تقديم مساعدات لهم كونهم يعيشون في مناطق فقيرة، ولكن بعد أن شرحنا لهم عن أهداف الحملة والقيم التي نحاول إحيائها، الغالبية تقبلوا الأمر، وكان الحوار بنّاءً وممتعاً، وحتى إن بعض الذين أساؤوا لنا في البداية شاركوا معنا في نهاية الحملة كمتطوعين”.
وتضيف يسرى بأنه بجانب الجلسات الحوارية تم توزيع منشورات ورقية على الأهالي في الشوارع تتضمن قيم الحملة، بلغ عددها أربعة آلاف منشور، بالإضافة إلى أكواب ودفاتر عليها عبارات ورسائل مناهضة للعنف.
وتتابع “قمنا برسم جدارية تحث على الاحترام والأبوّة في حي مفرق الجزرة، أيضاً زرنا منظمات مجتمع مدني لتشارك في الحملة، ومؤسسات تتبع للإدارة الذاتية، وحالياً انتهت الحملة، ونتمنى أن نكون قد تركنا أثراً، وبالطبع ستكون هناك مبادرات مشابهة خلال الفترة المقبلة”.
ويلفت عيسى الهنداوي قائد فريق الحشد والمناصرة في منظمة بيت المواطنة إلى أن أفكار الحملة تم نشرها من خلال خطب الجمعة، وذلك بعد زيارة مؤسسة الشؤون الدينية في الرقة والتنسيق معها بخصوص ذلك.
“زرنا مفتي الرقة وتم الاتفاق على تعميم خطبة الجمعة حول موضوع الحملة ونشر رسائلها عبر خطباء المساجد، وصلوات الجمعة مكان تجمع لمعظم الرجال الذين هم الفئة الأولى المستهدفة في حملتنا، وبذلك وصلت الرسالة التي نحملها لنسبة كبيرة من الأهالي”.
وشاركت في الحملة 6 منظمات مجتمع مدني محلية في الرقة إلى جانب منظمة بيت المواطنة، بالإضافة لمؤسسات تابعة للإدارة الذاتية، و25 متطوعاً ومتطوعة.
من جهتها تروي مرح الخلف “26 سنة” وهي إحدى الفتيات اللواتي حضرن الجلسات الحوارية، كيف أثرت الحملة عليها هي شخصياً، “الحملة كانت إيجابية وتركت صدى جيداً في الحي الذي أسكن فيه، أنا أصبحت أحاول الابتعاد عن العصبية والصراخ في المنزل والتعاطي مع الأمور والمشاكل بهدوء من أجل حلها بالتفاهم مع أفراد العائلة، وأتمنى أن تكون هناك المزيد من هذه الجلسات في الفترة القادمة”.
وبحسب دراسة اجتماعية نشرها مركز “حرمون” للدراسات، فإن الحرب في سوريا أدت لظهور وتفاقم العديد من المشكلات الاجتماعية، أبرزها تفكك بنية الأسرة وتصدع القيم الاجتماعية، واستفحال حالات القتل والطلاق في العائلات السورية.
وتنشط في مدينة الرقة العشرات من منظمات المجتمع المدني المحلية، التي ولدت بعد طرد تنظيم داعش عام 2017 ، وتقدم تلك المنظمات خدمات إغاثية وتنموية، بالإضافة لمشاريع ومبادرات مجتمعية توعوية.

Exit mobile version