“نتحسَّر على زمان الدكتاتور” جملة سمعناها من قبل في العراق والآن نسمعها في سوريا، وبالتأكيد قيلت في مصر أيضاً!
هكذا وبكل بساطة ينطقها السذّج وهم يقيّمون الجديد من أيّامهم و ينتقدون السيء فيها.
قالها لي شنكالي من العراق وقالها لي حلبي من سوريا وقالها لي كردي من عفرين.
طبعاً الشنكالي تحسّر على صدام حسين وقال: “لو كان موجوداً لما تجرأ الانتحاريون على دخول العراق، ولما أصبح نصف أهل العراق مجاهرين بطائفيتهم وبعدائهم للطوائف الأخرى”..
الحلبي قال إن “المعارضة أسوأ من النظام، لم يعد لدينا كهرباء ولا ماء ولم نحصل على الكرامة التي سعينا ورائها”!
الكردي راقب القرى الخالية من حوله وقال: “الحصار يقتلنا، ثلاث سنوات من الحصار تدمّر أكبر المدن”.
هكذا تحسّر البسطاء على زمن الديكتاتور، وتمنوا لو أنّه لم تكن هناك ثورة ولا من يحزنون!
إنّه حديث لا بأس من سماعه من أميين أو من بسطاء لم تكن لديهم رؤية لمستقبل أفضل بل ولدوا وترعرعوا في زمن الدكتاتور، وكانت أفضل حالاتهم تلك التي كانوا ينامون فيها شبعى وأصحاء.
أما أن تسمعها مِمّن يدعي ادارة الثورة أو الاشتراك فيها فذلك ما يثير التساؤلات.
الحنين إلى زمن صعب بسبب المرور في مرحلة أصعب هو ضيق رؤية سببها جهل واستسلام للواقع!
الذين يحنون إلى زمن الدكتاتور هم نماذج من أناس حاصروا حياتهم بالممكن والمرئي، وسجنوا أحلامهم في أقفاص الواقع؛ فبدلاً من الحلم بزمن جميل يحلمون بالعودة إلى زمن أقل رداءة!
الثورة ليست الهدف، إنها الوسيلة، والهدف منها هو خلق حياة أفضل من زمن ما قبل الثورة. فإذا صادفت في طريقها عثرات فلا بد من إدراك أنها ما زالت مستمرة. أما إذا انتهت الثورة واستقرت الحال وكانت الأوضاع أسوأ أو ليست جيدة بالحد المطلوب فلا بد من ثورة جديدة.
الآن نعود إلى الشنكالي ونقول له إنك لم تكن حراً في زمن صدام ولكنك كنت آمناً، الآن فقدت أمنك فلا تظهر رغبتك في العودة إلى زمن تضحي فيه بحريتك في سبيل أمنك، بل احلم وكافح من أجل زمن أجمل تحظى فيه بكلا الأمرين؛ الحرية والأمان.
إن إعداد الشعوب للثورة هي الخطوة الأهم في نجاح الثورات، وكذلك التحضير لسيناريو ما بعد الثورة. أما الإخلال في هذا الأمر فسيجعل الجميع يحلمون بما قد لا تستطيع الثورة تحقيقه، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى خيبات أمل قد تدفع الكثيرين إلى الندم لأنهم قد يطلبون المستحيل.
مثال على هذا الحديث، في اليوم الأول لثورة الشعب المصري استشهد بعض الشباب وكان لأحدهم أخ قاد مجموعة من أقوى الشباب في ميدان التحرير مطالباً برحيل مبارك، وبعد أن رحل مبارك سمعت هذا الشاب يقول لماذا ضحى أخي بحياته؟ وكأنه كان ينتظر من الثورة أن تنجح في إسقاط مبارك وعندها سيعود أخوه.
الثورات بحاجة إلى منظرين، والمنظرون الحقيقيون وإن كانوا لا يمثلون جميع فئات الشعب إلا أنهم يقبلون الجميع ويستمعون إليهم، بل ويشاركونهم تفاصيل المسائل الجديدة. وهذا كان سبباً في فشل الثورات التي رفضت كل لون آخر في عصر تعددت فيه الألوان وأصبح الجميع قادراً على الدفاع عن لونه.
كاوا شيخي
من أهالي الحسكة, فنان مسرحي ,كاتب و صحفي
له 5 كتب مطبوعه بالكرديه و 7 كتب جاهزه للطباعه..
يكتب بالكرديه و العربيه
kawa142@hotmail.com