Site icon مجلة طلعنا عالحرية

نازحة من مدينة دير الزور السورية: “كّنا نعيش في مدينة الجحيم”

تروي “عتاب” وهي سيدة سورية في بداية عقدها الرابع من مدينة دير الزور، كيف أنها قرّرت مع زوجها وابنتيهما الصغار أنّ يلوذوا بالفرار من “أرض الجحيم” على حدّ وصفها، حيث اضطروا للهروب بدايةً من شارع القصور وسط المدينة، قاصدين الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسّلامية” الذي بات يعرف إعلامياً باسم “داعش”.

وتعتبر مدينة دير الزور منقسمة السيطرة منذ شهر كانون الثاني/ يناير عام 2015. إذ يخضع قسمها الشرقي وريفها لسيطرة مسلحي “تنظيم الدولة” المتشدّد، فيما تسيطر القوات النظامية الموالية للأسد على قسمها الغربي، وهذه الأحياء تقع وسط المدينة وغربها.

فانقطاع الكهرباء وقلة المياه وفقر الخدمات ونقص مادة الخبز، دفعت بعتاب وعائلتها للنزوح سراً عبر طرق التهريب قاصدين مخيم الهول (40 كيلو متر شرق الحسكة) حيث مكثوا فيه مدة شهر، ثم انتقلوا للعيش في مدينة الحسكة منذ بداية الشهر الحالي.

محاصرة السكان

ونقلت عتاب في لقائها مع مجلة (طلعنا عالحرية) أنها: “ما جبرني على المر غير الأمر منه، من سنتين وهذه حالة الناس بالدير، حرب وقصف.. ومرت علينا ليالي كثيرة كنا ننام فيها ونحن جوعانين”.

ويحاصر عناصر التنظيم المناطق التي يسيطر عليها النظام بدير الزور، وتعمدوا إغلاق جميع المعابر البرية والمائية المؤدية إليها، ومنعوا دخول المواد الغذائية والطبية وخروج المدنيين منذ ما يقارب السنتين.

وذكرت عتاب أنّ زوجها كان يضطر للوقوف في صفوف لساعات من أجل الحصول على حصة العائلة من الخبز. وعن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، قالت: “كلما يرتفع الدولار كان كل شيء يغلى. السكر والشاي والرز والسمنة، والمشكلة تبقى مرتفعة حتى وإن توفرت المواد بالسوق”.

وتحولت سياسة الحصار خلال سنوات الحرب الدائرة في سوريا، إلى سلاح رئيسي تستخدمه كافة الأطراف المتنازعة. فالنظام يحاصر مناطق عديدة خرجت عن سيطرته، في حين يحاصر مسلحو التنظيم نحو 100 ألف شخص في دير الزور في ظروف إنسانية صعبة.

ووثق مرصد “العدالة من أجل الحياة في دير الزور” وفاة قرابة 40 مدنياً في المناطق الغربية بدير الزور، إما بسبب سوء التغذية أو انتشار الأمراض. وفي لقائه مع مجلة (طلعنا عالحرية) كشف مدير المرصد جلال الحمد المنحدر من مدينة دير الزور أنّ: “مناطق النظام لا يعمل فيها بشكل فعلي سوى المشفى العسكري، ولا يستقبل غالباً سوى المصابين العسكريين، بعدما أصيب مشفى الأسد الحكومي صيف العام الماضي بأضرار كبيرة، أما مستوصف الهلال الأحمر قد تتوفر فيه بعض الخدمات الطبية الإسعافية”.

نقص حاد بالمواد الغذائية

وتدور اشتباكات عسكرية عنيفة في مدينة دير الزور منذ منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، بين قوات النظام ومسلحي التنظيم، والأخير تقدم نحو أحياء النظام وقسمها الى جيبين بعدما فرض طوقاً عسكرياً على مطارها العسكري.

وأكد الحمد في كلامه إنّ: “حوالي 70 مدنياً لقوا حتفهم بسبب قصف عناصر التنظيم على مناطق النظام، وثقنا من بينهم 15 امرأة و25 طفلاً”.

وشكت عتاب إنّ المتنفذين لدى أجهزة النظام كانوا يتحكمون بتوزيع المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية المقدمة من الهلال الأحمر أو من المنظمات الإنسانية، وذكرت حادثة إنه: “بإحدى المرات وزعوا خبزاً للناس في شارع القصور، كان عدد الصحفيين بالقنوات الحكومية والروسية أكثر من كمية الخبز الموزعة، وبعد انتهاء التصوير أوقفوا التوزيع ولم يستلم يومها إلا عدد قليل”!

ويتم إدخال المساعدات والمواد الغذائية الى المناطق المحاصرة بدير الزور، إما عن طريق المهربين، أو جواً عبر مروحيات تابعة لقوات النظام أو لروسيا.

وينفذ برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منذ شهر نيسان. أبريل العام الماضي، عملية إسقاط الغذاء جواً لمساعدة الأهالي المحاصرين بدير الزور. حيث تمت 177 عملية إسقاط للمساعدات خلال عام و10 أشهر، إلا أنها توقفت 15 يوماً بسبب الاشتباكات الدائرة فيها، بين 15 كانون الثاني/ يناير الماضي، و31 من الشهر نفسه، بعدها استؤنفت العملية.

ويقول خبراء في برنامج الأغذية العالمي إنّ الإسقاط الجوي هو الملاذ الأخير نظراً لكونه عملية معقدة، ولا يقوم بإيصال سوى جزء ضئيل من حجم المساعدات التي تحملها قافلة من الشاحنات.

مدينة منسية

ويشترط النظام السوري الحصول على موافقات أمنيّة من أجهزة المخابرات، على الراغبين في مغادرة دير الزور، لأنّ الوسيلة الوحيدة المتبقية للسفر عبر مطارها العسكري، الأمر الذي نفته عتاب وأكدت: “راجعنا أنا وزوجي 3 مرات لإعطائنا الموافقة، لكنهم رفضوا بحجة المعارك، لكن كل من لديه واسطة كان يسافر بدون هذه الإجراءات المعقدة”.

وأشار أبناء دير الزور أنّ مدينتهم باتت منسية وأخبارها شحيحة رغم فظائع التنظيم، وسياسات النظام، وفي لقائه مع مجلة (طلعنا عالحرية) قال المعارض السوري رياض درار المنحدر من دير الزور إنّ “معاناة الأهالي مزدوجة نظراً لحصار التنظيم من جهة، وقصف النظام من جهة ثانية”، ولفت أنّ معركة دير الزور “ستكون متأخّرة لأنّها ليست في دائرة الحدث بالوقت الحالي، فكل الجهود الدوليّة تتركّز على مواجهة داعش في الرقّة، وبالتّالي سيطول الحصار أكثر على دير الزور”.

وفي نهاية حديثه، طالب درار بتدخل إنساني عاجل من الأمم المتحدة وكافة الجهات الدوليّة، “لتخفيف عبء الحصار المضاعف والمفروض على المدنيين، بالحدّ الأدنى يجب تأمين مستلزمات العيش الضروريّة وحاجاتهم الأساسيّة من أكل ومياه وأدوية”.

Exit mobile version