تحوّلت ناحية عيسى وريفها بعد سنوات الحرب إلى مسرح للقاء لاعبين دوليين وإقليميين وجهات محلية متحاربة؛ فالقوات الروسية المنتشرة بمحيط المنطقة تلعب دور الشرطي والحارس بنفس الوقت؛ حيث تحمي قوات النظام الموالية لها من الفصائل التي تدعمها تركيا، كما تفصل عن “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتسيطر على مركز الناحية والقسم الأكبر من ريفها.
في مدخل الناحية الرئيسي، رفعت قوات “قسد” سواتر ترابية عالية وتحول المكان الى أشبه بثكنة عسكرية مغلقة. على طول الطريق المؤدي للناحية من جهتها الشرقية والغربية حفرت قسد الأنفاق والخنادق ووسعت من تحصيناتها العسكرية، كما تمنع تنقل المدنيين خشيةً تعرضهم للقصف ورصاص القناص.
عن البلدة
عين عيسى ناحية إدارية تتبع بلدة تل أبيض بمحافظة الرقة، تبعد نحو 55 كيلو متراً عن الرقة باتجاه الشمال الغربي، وكان عدد سكانها يبلغ قرابة 100 ألف نسمة موزعين بين مركزها وريفها المترامي الأطراف، وذلك قبل نزوح قسمهم الأكبر نحو الرقة والمدن المجاورة.
وشارك سكانها في ربيع 2011 بالمظاهرات المناهضة للنظام، وفي حزيران/ يونيو 2015 تمكنت “قوات سوريا الديمقراطية” العربية – الكردية بدعم وإسناد جوي من تحالف دولي تقوده واشنطن، من طرد مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي، ومنذ ذلك الحين والمنطقة خاضعة لتحالف القوات، وتديرها إدارة مدنية تتبع “الإدارة الذاتية” لشمال وشرقي سوريا.
وتتخذ عين عيسى أهمية استراتيجية نظراً لموقعها الحيوي المطل على الطريق الدولي السريع (M.4)، إذ تربط محافظات الحسكة والرقة ودير الزور شرقاً بمدينة حلب شمالاً، كما توصل عبر شبكة طرق رئيسية شرق الفرات بغربه، وتسعى جميع الأطراف المتحاربة والمدعومة من جهات دولية وإقليمية لفرض سيطرتها الكاملة على الناحية، لقطع طريق الإمداد بين مدينتي عين العرب (كوباني) ومنبج بريف حلب الشرقي؛ بمناطق الجزيرة السورية ومدن الرقة ودير الزور.
بلدة منقسمة السيطرة
وباتت المنطقة منقسمة السيطرة بين جهات محلية وإقليمية ودولية؛ حيث يخضع مركزها وقسم من ريفها الغربي والشرقي وكامل الريف الجنوبي حتى بلدة تل السمن القريبة من محافظة الرقة لقوات “مجلس الرقة العسكري” التابعة لـ”قسد”، فيما تسيطر الفصائل المنضوية في صفوف “الجيش الوطني السوري” التابعة للحكومة المؤقتة والمدعومة من تركيا على كامل ريفها الشمالي حتى بلدة تل أبيض وجزء من ريفها الشرقي والغربي حتى مخيم عين عيسى سابقاً، والأخير يبعد نحو 2 كيلو متر شمالاً عن الناحية.
فيما تنتشر الشرطة العسكرية الروسية والقوات الحكومية الموالية للنظام السوري في ثلاثة مواقع عسكرية أنشئت بعد الهجوم الأخير، أولها يقع في الجهة الشرقية ويرفرف علم النظام السوري إلى جانب العلم الروسي على قاعدة توسطت مبنى أحيط بساتر ترابي عالٍ، والثانية تقع في مقر اللواء 93، بينما تتمركز النقطة الثالثة شرقي البلدة بالقرب من محطة وقود عين عيسى المركزية.
منطقة مضطربة على خريطة الصراع
بعد عملية “نبع السلام” وسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها على مدينتي تل أبيض بريف الرقة ورأس العين بريف الحسكة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت، تسعى أنقرة لتوسيع مناطق نفوذها وربط هذا الجيب المنعزل بمناطق عملياتها العسكرية غربي نهر الفرات لتحقيق هدفها الاستراتيجي بفصل وعزل مناطق الإدارة الذاتية وتحويلها الى جزر معزولة تفصلها مناطق نفوذها..
وتضغط روسيا على قيادة “قسد” لتسليم كامل الناحية وريفها حتى عمق 5 كيلومتر للقوات النظامية، ورفع علم النظام على المباني والمقرات الحكومية، والسيطرة على النقاط المنتشرة على الطريق السريع.
وكشفت مصادر مطلعة بأن التحالف الدولي والقوات الأمريكية دخلوا على خط النزاع بغية تخفيض التصعيد، وقالت بأن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جويل رايبورن بحث مع الرئاسة التركية في أول الشهر الحالي التطورات الميدانية في المنطقة، والاتفاقية الثنائية التي أبرمت بين واشنطن وأنقرة وموسكو بعد عملية “نبع السلام” والالتزام بحدود التماسّ. كما أجرى رايبورن بنفس الفترة اجتماعات افتراضية مع قيادة “قسد” ومسؤولي الإدارة الذاتية، ونقل لهم بأن الفريق المختص بالشأن السوري لدى الإدارة الأمريكية يتابع التطورات عن كثب، والذي بدوره نصح الجانب التركي بعدم التوغل في أراضٍ جديدة.
مركز الناحية لا يُشاهد المدنيون، وأوصدت أبواب المنازل والمحال التجارية، وأصبحت هذه البقعة الجغرافية خريطة أكثر سخونة، مع حالة استنفار عسكري لكل القوى المتوزعة على الأرض، تحسّباً لعمل عسكري تركي محتمل بمشاركة فصائل معارضة ضد تحالف قوات “قسد”.
وهذه المنطقة المضطربة باتت تحتل موقعاً حساساً على خريطة الصراع السوري، وتلتقي على أرضها ثلاث مناطق منفصلة تمثل مجالاً للنفوذ الروسي والتركي والأمريكي، وما يتبع كل منها من قوى محلية. فيما تتأهب تل تمر لتغيير جديد في موازين القوى قد تحدده معركة يجري الاستعداد لها من قبل الجيش التركي والفصائل الموالية له.
صحفي سوري، عمل مراسلاً لعدة وكالات دولية وكتب في صحف عربية وغربية ومواقع سورية.