شمس الدين مطعون
افتقد موسم قطاف الزيتون بمحافظة إدلب لهذا العام طقوسه الخاصة؛ حيث غابت الجلسات الطويلة بين الأشجار ودندنة الأغاني الشعبية؛ فقد انطلق الموسم قبل أن تكمل ثمار الزيتون نضوجها. وكان من المتعارف عليه أن ينتظر المزارعين إلى أن يسقى المحصول بماء المطر مرتين على الأقل؛ فكلما تأخر بدء القطاف ضمِن المزارع إنتاجاً أفضل.
إلا أن عشرات الأهالي اضطروا للبدء بجني الثمار باكراً دون أن تستكمل حبات الزيتون نضوجها بشكل جيد، لا سيما مناطق ريف إدلب الجنوبي التي تقع على بالقرب من خطوط التماس مع قوات النظام وتتعرض لقصف متكرر.
يقول حمزة وهو من أهالي جبل الزاوية قبل أن ينزح مؤخراً إلى مخيمات الشمال المحرر لـ”طلعنا عالحرية”: “إن العمل في جني محصول الزيتون لهذا العام كان سريع جداً، اضطررنا لبدء القطاف مع نضوج أولى الثمار”.
ويضيف حمزة: “تقع حقولنا على خطوط التماس مع قوات النظام، لذلك قررنا أن نجنيها باكراً، خوفاً من عودة القصف والمعارك التي ستحرمنا من المحصول بأكمله”.
كما اضطر عشرات المزارعين لمواجهة الموت أثناء جني حبات الزيتون، حيث عملوا تحت هدير طيران الاستطلاع وأصوات القذائف المدفعية التي تستهدف تجمعاتهم بمناطق عدة بريف إدلب.
في حين يخشى بعض المزارعين من أن تنهب ثمار أشجارهم من قبل المقاتلين الذين يضيقون في بعض الأحيان على الأهالي في الوصول إلى أراضيهم القريبة من الجبهات.
ويقول أبو هيثم من أهالي ريف إدلب الجنوبي إنه يعاني الأمرين للوصول إلى أرضه القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام: “كل مرة حجة شكل.. مرة أمنيات، ومرة لح تصير معركة وممنوع تفوت” أوضح أبو هيثم وهو يصف ردود عناصر الحواجز التابعة لفصائل المعارضة المنتشرة على طريق الوصول إلى أرضه. وأضاف أنه اغتنم أول فرصة للوصول إلى شجرات الزيتون التي يملكها وقام بقطاف كامل المحصول، “كان يجب أن أنتظر حتى ينضج تماماً، ولكن بعض المحصول خيرٌ من عدمه” قال أبو هيثم.
“تحت الزيتونة قعدة وركوني” يقول الحاج أبو صادق ويردف: “أما الآن: اجنِ محصولك بسرعة وامضِ”.
يوضح أبو صادق أن قطاف الزيتون بوقت مبكر أدى لتراجع كميات المحصول بشكل كبير، إضافةً لانخفاض كميات الزيت الناتج عن حبات الزيتون التي لم تتم العناية بها جيداً خلال الفترة الماضية بسبب صعوبات الوصول إلى المحاصيل الواقعة تحت خط النار. ويقول أبو صادق: “إن حبات الزيتون صغيرة جداً، كما أنها لم تدر كميات الزيت المعتادة، فكل 100 كيلو زيتون لم تنتج سوى حوالي 16 إلى 25 كيلو زيت فقط”. بينما تكون النسبة بالعادة 25 % أو أكثر.
في المقابل، فقد ارتفعت أسعار زيت الزيتون في ظل ضعف الإنتاج، حيث لم يتجاوز سعر تنكة زيت الزيتون (سعة 16 ليتراً) في العام الماضي 32 دولاراً، و22 دولاراً في العام الذي سبقه، أما في بداية هذا الموسم فقد وصل سعر التنكة إلى 43 دولاراً، وهو قابل للارتفاع.
كما أسهمت عوامل عدة في تراجع محصول الزيتون وتدني كمية الإنتاج في محافظة إدلب، حيث “يقدر انخفاض موسم الزيتون مقارنة مع المواسم الماضية بنسبة 30%” وفق المهندس الزراعي يحيى التناري.
ويوضح التناري لـ”طلعنا عالحرية” بأن سبب التراجع يعود “لانخفاض معدل الأمطار، مقابل ارتفاع درجة الحرارة أثناء نمو أزهار الزيتون، ما أدى لانخفاض نسبة عقد الثمار على الأشجار”.
ووفق المهندس التناري فإن نسبة الأرباح التي من المتوقع أن يجنيها المزارع لهذا العام قليلة بسبب انخفاض الإنتاج، و”تقدر بحوالي 50% إلى 60% من إجمالي الإنتاج”، كما تصل “نسبة التكلفة 40% إلى 50% من إجمالي الإنتاج”.
كما تأثر عمال جني الزيتون بتراجع محصوله؛ يقول أبو وائل وهو أحد العاملين بقطاف الزيتون: “كنت معتاداً على العمل بجني الزيتون على الأقل لمدة شهرين وأحياناً أكثر، مما يؤمن لي دخلاً جيداً يمكنني توفيره لشراء مونة البيت من الزيتون على الأقل”. إلا أن قلة الإنتاج خفضت مدة العمل المتوقعة، حيث كان موسم قطاف زيتون يؤمّن فرص عمل جيدة لعشرات عمال المياومة الذين يعملون بجني ثمار الزيتون، وتتراوح أجور (يوميّة) العامل لهذا العام بين 20 للـ 30 ليرة تركية، أي أقل من 4 دولارات.
و يوضح أبو وائل أن عدد الأيام التي سيعملها بهذا الموسم لن تتجاوز 30 يوماً، وذلك بسبب قلة حمولة الأشجار، “هالموسم ماحدا مرتاح لا العامل ولا الفلاح” قال أبو وائل.
تعتبر محافظة إدلب، لاسيما مناطق جسر الشغور وسلقين وحارم وجبل الزاوية الأولى في سوريا من حيث المساحات المزروعة بأشجار الزيتون، ويعد موسم الزيتون أحد أهم مصادر الدخل بالنسبة لأهالي المحافظة.
ووفق إحصائيات محلية فإن عدد أشجار الزيتون بمحافظة إدلب انخفض من 14 مليون شجرة مثمرة في عموم المحافظة إلى 8.5 مليون شجرة فقط، بعد تقدم قوات النظام ومليشياته إلى المحافظة، وسيطرتها على مناطق واسعة.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج