تحقيقات

مواقف وآراء.. حول داعش والائتلاف.. والثورة !

DA3ESH

تتعاظم يوماً بعد يوم الهوة التي تفصل الثورة السورية عن الجماعات التكفيرية التي تسلقت عليها وعلى رأسها ما يسمى “دولة الإسلام في العراق والشام” والمعروفة اختصاراً بـ “داعش”.. والتي تحاول بسط سيطرتها ونفوذها على المناطق المحررة والمعابر الحدودية وعلى الأخص في الشمال السوري معلنة تصادمها بل وتناقضها التام مع أهداف ثورة الحرية والكرامة من خلال مواجهاتها مع العديد من كتائب الجيش السوري الحر واعتقالها وملاحقاتها لعدد من الشخصيات المدنية والنشطاء الميدانيين والإعلاميين الذين يعملون لصالح الثورة عدا عن الإعدامات وحوادث القتل البشعة التي تنفذها بدم بارد.

وإذ تثبت هذه الأحداث خطأ الاستراتيجيات التي عملت بموجبها قيادات المعارضة الخارجية في التعامل مع تشكيلات الداخل حتى الآن، فإنها تثبت أيضاً الحاجة المتعاظمة لموقف ثوري واضح منها ومن ممارساتها التي لا تختلف شكلياً وجوهرياً عن ممارسات النظام الفاشي الذي ثار ضده السوريون وقدموا ما يفوق 100 الف شهيد..

وفي هذا السياق أعلنت العديد من الفعاليات الثورية السورية في مقدمتها “لجان التنسيق المحلية في سوريا” موقفها الواضح والحدي إزاء هذه القوى وممارساتها حيث وجه نشطاء اللجان في كل من دوما والزبداني ومضايا في ريف دمشق و طفس والمزيريب في درعا رسائل عبروا فيها عن رفضهم لاستبدال استبداد بآخر.. وركزوا خصوصاً على ممارسات “دولة العراق والشام” معلنين أنها لا تختلف عن ممارسات النظام السوري في القمع وكبت حرية التعبير، وقد حملت لافتاتهم شعارات شديدة اللهجة تطالب داعش بالرحيل.

إلا أن هذا الوضوح في المواقف لم يميز حتى الآن مواقف الأطر التي يفترض أن تكون معبرة عن مطالب الشعب السوري وأن تمثله أمام العالم وعلى الأخص “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” والذي جاء بيانه الصادر بتاريخ 20 أيلول 2013 مهادناً ومفتقراً إلى الموقف.. حيث اكتفى بالتنديد واعتبار ممارسات داعش مجرد “خروج عن إطار الثورة السورية”.

حول هذا البيان وحول موقف الائتلاف عموماً وإمكانات تصعيده توجهنا بسؤالنا لعدد من الكتاب والناشطين السوريين وغير السوريين من المهتمين بالشأن السوري وكانت لنا الإجابات التالية:

– ياسين الحاج صالح:

“أعتقد أن الأمر يحتاج إلى موقف أكثر مباشرة ووضوحا.

الائتلاف مدعو إلى إعلان “داعش” قوة معادية للثورة، وسند للنظام في حربه على بيئاتها الاجتماعية وتشكيلاتها العسكرية وقواها المحركة. وأن يعمل على نزع الشرعية عنها بوصفه الإطار السياسي الأوسع المتاح للثورة حاليا.

وأفترض أن لدى الائتلاف أدوات غير بيان مقتضب للتعبير عن موقف تحفظ من “داعش”. أليس لديهم مركز معلومات؟ ألا يستطيعون الخروج بدراسة معقولة توضع في متناول السوريين وعموم المهتمين والعالم؟ كي نعرف مدى قوة “داعش” ومواطن انتشارها ونوعية قاعدتها الاجتماعية ومحركات سياستها وتكوين قياداتها.

هذا ضروري كي نفهم، ومن أجل صوغ سياسيات ناجعة في وجه هذا التشكيل العدواني”.

– ماجد كيالي:

“بات ملحا الحديث عن القضايا بوضوح.. وبصراحة فهذه لغة ما عادت مجدية، وباتت متأخّرة جدا.. ذلك أن المجلس والائتلاف بعده وجماعات الجيش الحر يتحملون مسؤولية تغطية هذه الجماعات، والسكوت عنها، بل والترويج لها احيانا مع الأسف.. بدلا من عزلها وتفنيد وجهات نظرها، وتحجيم وجودها، ما ادى الى استشراء خطرها في الخريطة السورية كالسرطان، لتضر بمجتمع السوريين، وبوحدتهم، بإثارتها مخاوف لدى قطاعات واسعة منهم من الثورة، فضلا عن اضرارها بصورة الثورة ذاتها، ناهيك عن حرف هذه الثورة عن مقاصدها التي انطلقت من اجلها كثورة من اجل اسقاط نظام الاستبداد واحداث التغيير الديمقراطي نحو دولة مواطنين احرار ومتساوين..

المشكلة ان كل ذلك حصل في وقت كانت تعلن فيها جماعات القاعدة، من داعش الى النصرة، عدم تابعيتها للثورة السورية، ورفضها هياكلها السياسية والعسكرية، من المجلس إلى الائتلاف الى الجيش الحر، مع تأكيدها انها تنتمي للقاعدة وانها موالية لزعيم القاعدة، واعتبارها أن الديمقراطية كفر، وانها غير معنية بأهداف الثورة السورية..

اما بالنسبة للغة البيان فكلمة تنديد ربما تكون مقبولة من طرف بعيد، يندد بما يحصل في بلد اخر، اما بالنسبة لبيان يصدر باسم قيادة الثورة، كما هو مفترض، فينبغي ان يرفع الغطاء عن هذه الجماعات، التي هي اصلا غريبة عن مجتمع السوريين وعن ثقافتهم وعن ثورتهم.. البيان ايضا يتحدث عن خروج داعش عن اطار الثورة!! وهذا غريب فمتى كانت هي في أي اطار للثورة؟ ومتى حصل ذلك؟، ايضا البيان يتحدث عن تناقض داعش مع مبادئ الثورة!! وهذا ايضا امر غريب فمتى كانت داعش والنصرة ايضا مع مبادئ الثورة، فهي من يوم يومها تؤكد عدائها للثورة..

ينبغي ان يكون واضحا ان ثمة مبالغات بما يسمى جماعات القاعدة، وهو ما تقع فيه قيادات الثورة والجيش الحر، فالدور العسكري لهذا الجماعات ليس كما يجري تصويره، لأن معظم المناطق التي خرجت من تحت سيطرة النظام باتت كذلك بفضل جماعات الجيش الحر، اما داعش والنصرة، فهي نمت، مع الأسف في حضن هذه المكاسب، وهي اساءت لها بممارساتها التسلطية على السوريين، كما اساءت لصورة الثورة إزاء شعبها، وإزاء العالم.. آن الأوان لرفع الغطاء عن هذه الجهات المريبة والمشبوهة، التي تعمل كالسرطان في مجتمع السوريين وثورتهم، لا يمكن مصارعة الاستبداد باستبداد اخر.. شعب سوريا دفع كل هذه الاثمان من اجل الخلاص من الاستبداد ومن اجل العيش في حرية وكرامة..

– زياد ماجد:

“ينبغي الإقرار قبل التعليق على التنديد الأخير أن الشكلين السياسي والتنظيمي للمعارضة السورية لا يرضيان الحريصين عليها ولا يرضيان معظم المنخرطين في الثورة. وهذا بحث يطول وهو ليس شأننا في هذه العجالة. على ان التطوّرات الميدانية الأخيرة لجهة تقدّم “داعش” عسكرياً وقبلها بروز جماعات لا تعتبر القضية السورية قضيتها (بل قضاياها “العابرة للتراب”، أو “الجهادية” كما تسميها) هي تطوّرات تتطلّب مواجهة جدّية ليس حرصاً على صورة الثورة فقط، وليس من باب مخاطبة العالم على ما يقال – إذ أن هذا العالم لم يبد أكثر استعداداً للتدخل قبل صعود هذه الجماعات وليست هي السبب الأبرز لتمنّعه اليوم عن التدخّل – بل من باب الحرص على الثورة نفسها وعلى مستقبل سوريا القريب. فإن كان افتراض الانتصار على النظام الأسدي كفيلاً بدحر “داعش” وأخواتها يصحّ، فإن ما يصحّ أيضاً أن تأخّر هزيمة النظام كفيلة بمضاعفة أضراره وأضرار “داعش” على حدّ سواء، وكفيلة كذلك بجعل المهام السياسية المستقبلية في سوريا أكثر صعوبة وكلفة…

لذلك، يمكن الجزم راهناً، بعد التجارب في محافظة الرقة، وبعد معارك أعزاز وبعد تفاقم الخطف وممارسات الإجرام في أكثر من منطقة تدخل إليها “داعش” ومثيلاتها، أنه إن لم يجر التصدي لها بالكلمة والبيان والموقف والمظاهرة وحتى بالمواجهة المسلّحة فإننا سنكون قريباً أمام مرحلة أكثر صعوبة من المرحلة السابقة.

وللإستدراك أقول ختاماً إن الحكي من “خارج الحلبة” قد يبدو تشاطراً سهلاً أو نصحاً بغير عناء… لكنه يظلّ واجباً لأن شأن “داعش” بات للأسف واحداً من التحديات التي تعترض الثورة السورية “التراجيدية”، وإن لم يتمّ التعامل معه سيواجهها بضراوة أكبر غداً وبعده…

– يوسف بزي:

كان تأجيل النظر والرأي والعمل، بما يتعلق بتناقضات القوى المشاركة في الثورة، والمتحالفة “موضوعياً” على هدف واحد هو إسقاط النظام، تأجيلاً منطقياً وعملياً. فالثورة لا يسعها تشتيت جهودها وفتح جبهات عدة في آن واحد. ومن طبيعة الثورة السورية – كما مجمل الثورات الشاملة – أنها تضم أطيافاً وفئات وتيارات متعددة ومختلفة. وبهذا المعنى، كنا ننتظر ما بعد الثورة، لا في أثنائها، كي تتمظهر هذه التناقضات وتطفو على السطح وتنفجر. كنا ننتظر ما بعد سقوط النظام، لا أثناء المعركة معه، كي تبدأ المنازعات بين مختلف القوى، الساعية إلى صوغ مستقبل سوريا وفق رؤاها وأيديولوجياتها.

إلا أن هذا التأجيل بات، للأسف، غير متاح راهناً، طالما أن تنظيمات مسلحة على مثال “داعش” و”جبهة النصرة”، وضعت نفسها في موقف عدائي ضد التشكيلات المسلحة للثورة، عدا عن ارتكاباتها الدموية بحق المدنيين والنشطاء والعاملين في المجال الإنساني (إغاثة وطبابة)، ونزوعها الإستئصالي والتدميري، وميلها الخطير إلى العنف المجاني وانتهاجها لأساليب إرهابية تكاد تتفوق فيها على ممارسات النظام، بحيث باتت هذه المجموعات التكفيرية، خطراً فادحاً على الثورة نفسها، إذ هي تمنح الصدقية على ما كان أكاذيب النظام، وصار حقيقة واقعة، من إضفاء الطابع “الإرهابي” على الثوار إلى تحويل الصراع إلى “مذبحة مذهبية”، عدا عن دورها المكمل لخطة النظام في التطهير العرقي والطائفي والفرز الديموغرافي الممهد لاحتمالات التقسيم أو لولادة “إمارات” و”ولايات” طالبانية وقاعدية…على طريق الصوملة.

إن اتجاهات الرأي العام في العالم، وسياسات الحكومات، المترددة أو المتعاطفة مع السوريين، وخطط الدعم المفترض لـ”الجيش السوري الحر”، تمتحن جميعها قدرة المعارضة السورية الشرعية، التي تمثّل الثورة سياسياً، في الداخل والخارج، على تمييز نفسها عن أولئك الذين يتخذون الإرهاب هوية لهم. بل إن سكان المناطق المحررة، الحاضنة الإجتماعية للثورة، تنتابهم الريبة العميقة من مآل الثورة إن هيمنت تلك التنظيمات عليهم وفتكت بمجتمعهم.

بهذا المعنى، وكشرط مسبق لإنجاز هدف إسقاط النظام، يبدو التحدي المستجد والصعب هو “الحفاظ” على الثورة. وهذا العبء لا يبدد باتفاقات وقف إطلاق نار ولا بمهادنات موضعية، ولا “المعايشة بالإكراه” ولا ببيانات تنديد وحسب، لكن أيضاً بمبادرات سياسية على “الإئتلاف” القيام بها، كي تستعيد الثورة وتجتذب إلى حضنها المكونات الإجتماعية العريضة للشعب السوري، إن في التعامل الجدي مع “مخاوف” الأقليات الدينية، أو في البت الحاسم بالتعددية القومية، والعلاقة مع الغرب… كذلك، لا بد أن يعمل بسرعة قصوى على التواصل مع الدول والجهات التي تؤمن المال والسلاح للتنظيمات الإرهابية (وهي باتت معروفة) كي يتم تجفيف تلك المصادر وبالتالي إضعاف قدرات هذه التنظيمات. والأهم، هو تشكيل تلك الحكومة التي ظلت وهمية طوال أكثر من عام، ومنح الأولوية القصوى لتفعيل الإدارات المحلية، وحماية المؤسسات العامة ومرافقها وأجهزتها البيروقراطية، عدا عن أولوية تنفيذ تلك الفكرة التي أطلقها رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا بتوحيد جدي لكتائب الجيش الحر.. إلخ. عدا عن تصحيح الخلل في “حضور” الإئتلاف نفسه. فلا يسعه بعد اليوم أن يكون معظم أعضائه ومكاتبه وأجهزته ومؤسساته في الخارج. حان الوقت كي يحضر بثقله في الداخل.

– عروة نيربية:

ليس خفياً على احد ان ثمة انقسام في الائتلاف في وجهات النظر بصدد التعامل مع ظاهرة داعش. وهذا ينعكس تردداً في التصريحات والبيانات، ما لا ينفع الوضع الحالي الحرج ولا يستجيب لإرادة شعبية واسعة تقف ضد داعش وممارساتها.

ولا يخفى على أحد ان الرئيس السابق للائتلاف ادان وفود شباب يغرر بهم من خارج سوريا اليها بغاية الجهاد وبما لا ينفع سوريا ويصدر مشاكل دول أخرى اليها، وان الرئيس الحالي أحمد الجربا أعلن من قبل عن مشروع غائم لتأسيس جيش وطني سوري ينظم الألوية السورية ويقصي تلك المتطرفة الغريبة، كما لا يخفى على أحد أن داعش (وكذلك جبهة النصرة) تعتبر الائتلاف خصمها في المناطق المحررة، وتتهجم باستمرار على الناشطين المحسوبين على الإئتلاف بل انها تحاول منع كثير من النشاطات المدنية المدعومة من الائتلاف، ومثال ذلك محاولتها ايقاف الامتحانات الثانوية في الرقة.

هذا يجعل المرء يقول إن ثمة انفصاماً بين موقف الائتلاف الميداني وموقفه المقال، ونزوعاً الى دبلوماسية لا مبرر لها سوى تسويف تصعيد المعركة، والمرتبط ربما بقصور الائتلاف الميداني وبعجزه التمويلي وبتضاؤل قاعدته الشعبية المعلوم. ثمة معركة كبيرة وذات أولوية، يرى الائتلاف أو بعض قادته، على ما يستنتج المرء من البيان الأخير، أنه ليس مستعداً لخوضها بعد، فالبيان لم يستنتج أبعد من “خروج عن مبادئ الثورة، وتناقض معها” ولم يحدد أي موقف أو خيار أو حتى “نصيحة” في صدد التعامل معها.

طلعنا عالحرية / العدد 35

To Top