منذ ظهورها في سوريا في نيسان 2013، توسعت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على نحو كبير، وخاضت معارك طاحنة مع قوات النظام ومع تشكيلات المعارضة المسلحة على تنوعها واختلاف إيديولوجياتها. وتجمع المعارضة المسلحة بكل أطيافها تقريباً على أن داعش هي عدو لا يقل خطراً عن قوات النظام ومن يدعمه من ميليشات وقوات. لكنها تصرّ على أن قتال الأسد هو معركتها الأولى، لتكون داعش ثانية على سلم الأولويات بالنسبة لمعظمهم، ما لم تكن تلك الفصائل في وضعية الدفاع عن النفس.
وعلى الرغم من الحملة الجوية التي يخوضها الحلف الدولي على التنظيم، والحملة الجوية الروسية التي نراها اليوم، إلا أن تمددها وصمودها لازال حقيقة في كثير من المناطق، ولم يحدث أن ألحقت بها هزيمة كبيرة إلا في المناطق الكردية، حيث يتوفر مقاتلون على الأرض بعدة وعدد أهّلهم لخوض معارك أرضية ضد التنظيم، بتغطية جوية هائلة من طائرات التحالف الدولي. ويعني هذا أن تنظيم الدولة -وهو عدو مشترك لمراكز القوى العالمية في واشنطن وموسكو ولندن وحتى عواصم المنطقة من الدوحة إلى تل أبيب والقاهرة، وللمعارضة المسلحة السورية- لن يهزم إلا من خلال حرب طاحنة على الأرض، لا يبدو أن العالم اليوم مستعد لخوضها وزجّ الموارد المطلوبة فيها وخاصة البشرية منها. ويبقى أمر هزيمة الدولة الاسلامية – والحالة تلك – بعيد المنال ما لم تتوفر هذه القوة البشرية وتُدرّب وتُمد بالعتاد اللازم وتحظى بإجماع دولي وإقليمي وسوري.
لا يستطيع النظام السوري خوض هذه الحرب بقواته المتهالكة، التي لا تكاد تستطيع أن تحمي ما تبقى له من أرض يسيطر عليها في مناطق نفوذه، ولن يكون مؤهلاً مهما استعاد من عافيته بفضل الدعم الجوي الروسي، والدعم البشري الإيراني. وهذه الحرب التي ستكلفه الكثير من الأرواح والعتاد، وقد تعني تخليه عن مناطق أخرى كثيرة أكثر حيوية وتقع ضمن ما يسميه بسورية المفيدة. وعليه، تبقى داعش بالنسبة له معركة جانبية يخوض بعض فصولها حين يضطر إلى ذلك ومادامت غارات التحالف تعيق تقدماً سريعاً لها نحوه. وقد لا يأتي اليوم الذي يتمكن فيه من خوض مثل هذه الحرب أبداً. يزيد على ذلك، أن حرباً كهذه يجب أن تخاض على أرض فقد النظام فيها حاضنته الشعبية بشكل كامل أو شبه كامل، وسيحارب -إن فعل ذلك- على أرض معادية يكن كل من يقطنها له العداء والكراهية، مما يجعل حظوظه بالفوز بالنصر معدومة تماماً. ولن تستطيع الميليشيات الأجنبية من حزب الله، وعراقيين وأفغان، وحتى عسكريين إيرانيين تحقيق أي نصر يذكر على داعش في تلك المناطق للأسباب ذاتها. ولما يمكن لتدخلها في تلك المناطق من أن يثيره لدى فصائل المعارضة المسلحة الأخرى التي يحمل البعد الديني في النزاع أهمية بالنسبة لها اليوم، حيث تعتبر هذه الميليشات عدواً لها ولا تراها منفصلة عن النظام الذي تحاربه، بل يشكل مذهبها مبرراً آخر لمحاربتها.
يبقى الخيار الوحيد لمحاربة داعش وتحقيق نصر عليها هو فصائل المعارضة المسلحة، بما في ذلك الإسلامية السلفية منها والقابلة لشيء من الترويض. وإذا أراد الغرب أن يحقق نصراً حقيقياً على التطرف الجهادي الذي يعتبره التهديد الأكبر لأمنه، فإن عليه وضع استراتيجية دقيقة لتوحيد تلك الفصائل وتسليحها، ومدها بالمعلومات الاستخبارية والخطط اللازمة لتشنّ حرباً مزدوجة على كل من داعش والأسد، لأن حرباً ضدّ داعش لن تغريها ما دام عدوها الأول والأكبر -نظام الأسد- مطمئناً وبعيداً عن نار هذه الحرب.
هذا العدو المشترك للسوريين ومعارضتهم المسلحة وللعالم المترقب يجب أن يكون محوراً للتقدم نحو استراتيجية موحدة لهزيمة داعش والأسد معاً. ستدرك روسيا قريباً أن الأسد لن يفيدها في ذلك، وأن حملاتها الجوية لن تفيد في أكثر من حمايته من الانهيار مرحلياً، وأنه مهما بلغ هذا الدعم لن يستطيع أن يستعيد ما خسره من أرض وحاضنة شعبية، وأن رهان بوتين على الأسد خاسر على المدى الطويل.
نعم إن روسيا اليوم تقصف قوات المعارضة المسلحة، ولا تحارب داعش كما تقول، لكن الحملات الجوية لن تجدي في تحقيق نصر حاسم، وإن أفادت في تحقيق انتصارات جزئية هنا وهناك. وسيدرك الغرب أيضاً أن حاجتهم للمعارضة المسلحة في محاربة داعش ستصبح أكثر إلحاحاً، وأن عليهم الالتفات جدياً نحوها بوصفها جزءاً كبيراً من الحل السياسي والعسكري، مهما كان من أمر تشتتها وأسلمتها.