الطلاب يخوضون امتحانات شهادتي الإعدادية والثانوية وسط ظروف قاسية
الرقة – عبد الله الخلف
بعد منتصف الليل تستيقظ “هديل” البالغة من العمر 19 عاماً، لتبدأ بتجهيز نفسها للذهاب لتقديم امتحانات الشهادة الثانوية، حيث تضطر لقطع مسافة 30 كيلومتر من مدينتها الرقة باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة النظام جنوب شرق المدينة.
وعند الساعة الثانية ليلاً تستقل هديل حافلة صغيرة مع نظيراتها من الطالبات؛ فالمسافة ليست بعيدة ولكن التشديد على الحواجز العسكرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية وللنظام السوري يجبرهن على الذهاب قبل ست ساعات من بدء الامتحان، خوفاً من التأخر على مواعيد الحضور.
وتوضح هديل بأنها أحياناً لا تستطيع النوم لوقتٍ كافٍ، ما يؤثر سلباً على كتابتها أثناء الامتحان، وتقول: “في إحدى المرات لم أنم إلا لساعتين فقط، الامتحان يبدأ الساعة الثامنة صباحاً، ولكن نحن نخرج قبل ست ساعات، وبعد انتهاء الامتحان والعودة للرقة يستغرق الطريق أيضاً حوالي الساعتين بسبب التدقيق والتفتيش على الحواجز”.
معظم الطلاب في الرقة يفضلون الحصول على الشهادات الدراسية من حكومة النظام السوري، كونها رسمية ومعترف بها، إضافة إلى ذلك لا توجد امتحانات شهادتي تعليم أساسي وثانوي في الرقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
حيث أن المنهاج الذي يدرّس في المدارس التابعة للإدارة الذاتية هو منهاج التعلم الذاتي المقدم من منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، أما “منهاج الإدارة” فلا وجود له في مناطق الرقة والطبقة ودير الزور ومنبج.
وبحسب مديرية التربية التابعة لحكومة النظام في الرقة، والتي يقع مقرها في مناطق سيطرتها جنوبي المدينة، فإن عدد الطلاب الذين تقدموا للامتحانات هذا العام في ريف الرقة الخاضع لسيطرة النظام بلغ 17836 طالب وطالبة، موزعين على 147 مركز امتحاني في بلدات السبخة ومعدان ودبسي عفنان الخاضعة لسيطرة قوات النظام.
كما جهزّت مديرية التربية مراكز إيواء للطلاب القادمين من مناطق بعيدة في ريف الرقة، مثل تل أبيض وسلوك والجرنية وغيرها، يتم فيها توفير الإقامة والطعام من منظمة اليونيسيف والهلال الأحمر السوري وجمعيات أخرى.
ويعتمد الطلاب في الرقة على الدروس الخصوصية في المعاهد التعليمية الخاصة، أو في المعاهد العامة التابعة للجنة التربية بمجلس الرقة المدني، وتدرِّس منهاج النظام لمرحلتي التعليم الأساسي والثالث الثانوي.
ويضطر الأهالي في الرقة لدفع مبالغ مالية مرتفعة لقاء تعليم أبنائهم في المعاهد التعليمية العامة والخاصة، وبحسب لجنة التربية بمجلس الرقة المدني فإن عدد طلاب شهادتي الكفاءة والثانوية المسجلين في المعاهد بالرقة يبلغ 12584 طالباً وطالبة.
ويوجد في الرقة وريفها الخاضع لسيطرة قسد 57 معهد تعليمي خاص، و23 معهد عام يتبع للجنة التربية، تبلغ الأقساط الشهرية لكل طالب في المعاهد الخاصة 73 ألف ليرة سورية ما يعادل (20 دولار أمريكي) لطلاب الشهادة الثانوية العلمية، و62 ألف للثانوي الأدبي، و40 ألف للتاسع.
أما في المعاهد العامة فتبلغ الأقساط 53 ألف ليرة شهرياً لطلاب الثانوي العلمي، و47 ألف للثانوي الأدبي، و30 ألف للتاسع، و”هذه تكاليف مرتفعة مقارنةً بالوضع المعيشي للسكان” على حدّ تعبير “عبد اللطيف الحسن” والذي لديه ولدان هذه السنة في الصف التاسع والثالث الثانوي.
يلفت عبد اللطيف إلى أنه سائق سيارة أجرة ودخله لا يكفي لمصاريف المعيشة والأقساط الشهرية لتعليم الأولاد، فيضطر للاستدانة من أصدقائه وأقاربه في سبيل تعليم أبنائه، مضيفاً “التكاليف مرتفعة جداً، عدا عن الأقساط الشهرية، نضطر حالياً لدفع أجرة النقل من الرقة لمركز الامتحان في السبخة بالريف الشرقي 70 ألف ليرة سورية لكل طالب عن كل فترة الامتحان”.
ويتابع حديثه ليقول: “أعرف صديقاً لديه ابنة متفوقة في الصف التاسع، ولكن بسبب ظروفه الاقتصادية المتردية لم يسجلها في المعاهد التعليمية وأوقف دراستها! التكاليف العالية للتعليم تدفع الكثير من الناس لإيقاف تعليم أبنائهم”.
وتصف “صهباء فريج” وهي معلمة رياضيات، التعليم بالنسبة لطلاب الرقة بـ “القهر”، تقول إن وضع الطلاب هنا يختلف عن باقي المحافظات، فهم مضطرون لدفع ثمن كل درس، ويضطرون لتحمل ما لا يطاق على الحواجز العسكرية في طريقهم للامتحان، على عكس المحافظات الأخرى حيث التعليم فيها مجاني والامتحان في نفس المنطقة.
وتشكو صهباء قلة الاهتمام بالنسبة للعملية التعليمية بعد سنوات الحرب، وتعزو تدني مستوى التربية إلى المراقبين في قاعات الامتحان؛ فهم “يرهبون الطلاب ولا يوفرون لهم أجواء هادئة ومريحة، بعضهم يطلب من الطالب إذا كان متفوقاً أن يشارك في الغش وينقل معلوماته لباقي الطلاب! والبعض الآخر يفاقم توتر الطلاب بأسلوبه الفظ، ويريد أن يكتب تقريره بأي شكل من الأشكال دون أدنى مراعاة لنفسية الطالب”.
وعن الحواجز التي لا تراعي الحالة النفسية للطلاب لفتت صهباء قائلة: “تفتيش دقيق يستمر لساعات وأسئلة وتحقيق مع الطلاب كأنهم قادمين من بلد آخر! هؤلاء الطلاب يدفعون ضريبة باهظة لاستكمال دراستهم”.
والجدير ذكره أن مكتب الدفاع في الإدارة الذاتية أصدر قراراً الشهر الماضي بعدم ملاحقة الطلاب الذكور المطلوبين للتجنيد الإجباري حتى نهاية الامتحانات.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج