في الذكرى العاشرة للثورة السورية انقسم السوريون كعادتهم بين متفائلين ومتشائمين، محلقين في سماء الحلم، أو قارئين لكوابيس الواقع، وقد تترجم هذا الانقسام هذه المرة إلى فئة المتبنين للشعار الذي رفعته المخرجة السورية وعد الخطيب “تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة”، وفئة الرافضين من الجهة الأخرى.
الذين تبنوا الشعار واتخذوه إطاراً لصور بروفايلاتهم على الفيسبوك ووسائل التواصل انطلقوا من واقعة كسر جدار الخوف وتخطي زمن الأبدية الأسدي حتى لو كان الثمن باهظاً، فيما اعتبر الرافضون أن الأسدية مستمرة ولا زالت جاثمة فوق الصدور، وأن كرامة المواطن السوري التي يتغنى بها المهاجرون قد تمرغت بالتراب، سواءً خلال سني الحرب في الداخل والتي أكلت الأخضر واليابس، أو في المعتقلات وأقبية السجون التي أعدمت عشرات الألوف تحت التعذيب، بعد رحلة قاسية مع القهر والخضوع القسري للنزعات الساديّة للسجّان، أو في المخيمات الغارقة في الوحل والصقيع، أو في الشتات وعلى معابر التهريب وزوارق الموت/ النجاة، أو حتى بمن تبقى في الداخل السوري رازحاً تحت شروط قمع مضاعف وظروف اقتصادية أدنى من كل خطوط الفقر المعروفة حتى الآن.
كان المنقسمون ذاتهم قد انقسموا مرات عديدة سابقة، ربما كان آخرها عقب وفاة المخرج السوري حاتم علي والذي تم تمديده كشخص وتمديد أعماله لأيام وأسابيع على سرير الثورة الأخلاقي، ونال ما نال من مدح أو هجاء أو تقطيع للأوصال حتى يبدو على المقاسات المعيارية التي أرادها له كل طرف من الأطراف.
الاختلاف في حدوده العقلانية جميل ومقبول، لكن لو يخفف المغالون من غلوائهم، وما أكثر المغالاة في أوساط السوريين، فهناك دائماً من يبالغ حدّ التقديس، وهناك دائماً من يبالغ في الاتجاه المعاكس حدّ التسفيه، وربما كان هذا مظهراً أساسياً من مظاهر العجز وصفرية التأثير في الواقع، حيث لا يبقى من متسع إلا للألسنة المبرية والعدائية التي تبحث عن لذّة إشباعها في النهش بلحم خصم وهمي ومستضعف.
هل آن الآوان لأن نتحاور بهدوء وقد نختلف أو نتفق إن كانت الثورة قد هُزمت.. ربما تكون قد انكسرت أو تحطمت عندما سلمت عنانها للسلاح والتطرف.. لكن من جهة أخرى يبدو وجيهاً القول إن النظام لم ينتصر أيضاً. أما الذي حصل فعلاً فهو أن بلدنا قد تدمرت وتقسمت واحتُلت واستبيحت، وأن ذلك كله قد حصل بأيادي النظام والمعارضة معاً. وأن كرامة السوريين لا زالت جريحة ومستباحة من كافة الأطراف المتصارعة على أرضنا وعلى كافة الجبهات، وأنه يقع على عاتقنا أولاً وقبل أي طرف آخر أن نضمد جراحنا وأوجاعنا، وجروح كرامتنا، وأن نحاول استعادة الإنسانية التي حاولوا اجتثاثها من قلوبنا.
وربما علينا أن نستوعب أيضاً أن السوريين العاديين لم يعودوا يرغبون باجترار ثنائيات الأبيض والأسود البائدة.. معارض وموالي، ثوري ورمادي، مؤمن وكافر، متدين وعلماني، سني وشيعي، ويائس ومتفائل، بل يريدون أن يلملموا جراحهم وأن يعيدوا لكلمة “سوري” معناها، وأن يلفظوا كل المزايدين على حياتهم ودمائهم من كافة الأطراف.. ربما يزهرون بعد حين “كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة”.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.