1- الهزائم العسكرية التي تكبدها الجيش الحر أمام جيش النظام في عدة مواقع كالقصير ويبرود وأخيرا المليحة بالإضافة إلى الخسائر أمام تنظيم داعش في الشمال الشرقي.
2- عجز بنى الثورة الإدارية في إدارة المناطق المحررة وتقديم الخدمات بالحد الأدنى للمواطن، وقد كان هذا جليا في المناطق المحاصرة خاصة كالغوطة الشرقية.
3- استمرار حالة التشرذم والتشتت الثوري خاصة على المستوى العسكري فلكل لواء وفصيل أجندته السياسية والفكرية والتي تشكل بدورها عائق أمام تكامل عمله مع الآخرين.
4- الغيبوبة العربية والإقليمية والدولية إزاء مقاربة الوضع السوري حتى أصبح الملف السوري من منسيات سياسيات هذه الدول.
5- نجاح النظام في اختراق بنى الحاضن الشعبي المؤيدة للثورة من خلال عروض المصالحات والهدن بحجة أن قوى الثورة عاجزة عن تامين شروط استمرارية الحياة، وقد وصل بالبعض للخروج بمظاهرات تطالب بقبول الهدنة تحت أي ظرف.
نتيجة هذه العوامل وغيرها دخلت الثورة في حالة جمود مرعب لم يكن في صالح الثورة أبدا، وكل من هو عامل في المجال الثوري أدرك ذلك، فغاب بريق الأمل من عيون الناشطين واستشرى حديث اليأس بين جناحي الثورة المدني والعسكري.
ولكن ضمن طيات كل هذه بدأت تتشكل موجة ضاغطة مضمونها يقول أن استمرارنا بهذا الوضع سيكون نهايته هلاكنا لا محالة ، وانه لا يمكن السكوت أو التغاضي بعد الآن عن الأمراض وان مركب الثورة يركبه الجميع وإذا خرقه احدنا وسكتنا عنه فان مصير الغرق سيشمل الجميع دون استثناء، وبذلك تكون الثورة أفرزت بواكير الترياق الذي تحتاجه لمعالجة نفسها ومرة أخرى عندما تعجز القيادات والنخب عن تغيير الواقع يكون الضغط الشعبي هو الوسيلة لإحداث هذا التغيير، وقد تواكبت هذه الموجة مع عديد من التطورات والتي رسمت ملامح لمرحلة مختلفة وجديدة وابرز ملامح هذه الصورة ما يلي:
1- ظهور القيادات العسكرية الموحدة والتي كانت القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية باكورة هذه القيادات والتي سيتبعها بالضرورة العديد من النماذج في سورية ولأول مرة تكون عملية توحيد تحت ضغط مزدوج، فالداخل والخارج التقى على هذا الهدف، ويمكن القول أن الضغط الداخلي هذه المرة كان هو العامل الأقوى والحاسم فالقوى العسكرية في الغوطة الشرقية أدركت خطورة عدم التوحد وعدم الانصياع إلى مطلب أهالي الغوطة الرئيسي في ذلك.
2- تفاقم الانتشار السرطاني للخطر الداعشي في سورية، والذي بات يشكل خطراً ليس فقط على سورية والعراق بل أصبح يشكل خطراً كبيراً على النظامين الإقليمي والعالمي والذي اجبر القوى الإقليمية والدولية للتهافت لمواجهة هذا الخطر ومحاربته، وبالتالي فان طبيعة التدخل الإقليمي والدولي في سورية في المرحلة القادمة ستختلف ماهيتها وأثارها وقد يحمل هذا التدخل في سورية مخاطر كبيرة إذا لم نُعد أنفسنا جيدا وندرك ما هو في صالحنا وما هو تهلكة لنا.
3- اقتناع المجتمع الدولي بأن الأسد بعد كل ما ارتكبه من جرائم ومجازر لا يصلح بأن يكون شريكا في مواجهة داعش ولا أن يكون خيارا لإعادة الاستقرار إلى سورية
4- ظهور بوادر خلخلة واضحة لدى الحاضن الشعبي المؤيد للنظام وخاصة بعد سيطرة داعش على المقرات الرئيسية للنظام هناك كالفرقة 17 ومطار الطبقة وما رافق ذلك من فيديوهات تقتيل مرعبة بحق جنود النظام والتي أدت إلى تحطيم أسطورة جاهد النظام لترسيخها لدى الأقليات بأنه هو الحامي الوحيد لهم فبدأت تنطلق شعارات تناقض هذه الأسطورة وخاصة من العلويين من قبيل “الموت لأبنائنا والكرسي إلك” أو حملة “وينون” وهذه الشعارات والحملات تعطي مؤشراً على بداية تبلور وعي جديد لدى العديد من مؤيدي النظام وخاصة العلويين بأن النظام يجر بهم إلى الهاوية.
5- بدء القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية بمعركة الكباس وقد يظن البعض أن هذه المعركة مثل أي معركة تجرى في عموم سورية ولكن هذا الآمر غير صحيح لان معركة الكباس سترسم ملامح مفصلية في عمر الثورة السورية وذلك لأسباب التالية:
أ- انطلاق العديد من المعارك المؤثرة والموجعة للنظام بالتزامن الكامل مع معركة الكباس ومنها على سبيل المثال المعارك الدائرة في القنيطرة وداريا القلمون وحماة وادلب.
ب- ثبات مقولة أن الغوطة الشرقية هي رأس الحربة في اسقاط النظام في العاصمة السياسية دمشق لان أي تحرك عسكري تشهده الغوطة الشرقية يحدث هزة عامة في سورية، وترنو إليه جميع العيون سواء في الداخل والخارج لتقيم عمل الغوطة الشرقية والبحث في ماهية البديل المحتمل لنظام الأسد.
ت– وصول الثوار إلى قناعة بأن الاعتماد على إستراتيجية الدفاع الصلب في ظل ضآلة إمكانياتهم مقارنة بالنظام هي إستراتيجية عقيمة وفاشلة وقد ظهر ذلك جليا في معركة المليحة، لذلك لا بد من اعتماد مبدأ المرونة في العمل العسكري.
ث- ظهور عورة قاتلة لدى النظام فبرغم الإمكانيات الهائلة لدى النظام على مستوى العتاد العسكري إلا انه يفتقد إلى العداد البشري الكافي للقتال في عدة جبهات وهذا الأمر يجبره على نقل قواته البشرية المتبقية بشكل مستمر باتجاه الجبهات الجديدة وهو ما يعتبر مشكلة كبرى على المستوى العسكري.
ج- المفاجأة العسكرية التي حققها الثوار من خلال فتح جبهة لم يكن يتوقعها النظام الذي عمل على إجهاض أي عمل عسكري يقوم به الثوار باتجاه دمشق من خلال معركة المليحة واحتلالها ثم إطلاق معركة جوبر والتي هي بالأساس مدخل الثوار إلى دمشق، أي أن النظام حاول نفي أي احتمالية لدى الثوار للتوجه إلى قلب العاصمة وهي رمز بقاء النظام.
ح- إن الموقع الجغرافي للكباس هو بالغ الحساسية من الناحية الجغرافية لأنه على تماس مباشر مع مناطق ذات حساسية طائفية وهي جرمانا الدرزية ودويلعة المسيحية، ولأول مرة يكون ثوار الغوطة الشرقية على هذه المقربة من الملف الطائفي، وهو ما سيضع عليهم عبئاً إضافياً، فالكل سينتظر طريقة تعامل ثوار الغوطة مع هذه الأقليات في حال دخول قوات الثوار إلى هذه المناطق.
خ- النجاح الباهر للثوار في مجال استخدام السلاح النفسي الموجه ضد العدو، فحالة الانهيار والفرار الجماعي لمؤيدي النظام من مناطق جرمانا ودويلعة نتيجة سريان بعض الشائعات كانت حالة ملفتة جدا يجب التوقف عندها ودراستها بشكل جيد ووضع الخطط لتكرارها وبشكل أفضل وأقوى، ورغم أن النظام حاول بث رسائل معاكسة لهذه الإشاعات إلا انه فشل في طمأنة مؤيديه وتهدئتهم وهذا دليل على مدى الفجوة في مصداقية النظام لدي مؤيديه.
د- السرية العالية على المستوى الإعلامي للمعركة فهناك درجة كبيرة من الكتمان والتي التزم بها الجميع سواء من العسكريين أو من المحيط الإعلامي.
إذا يمكن القول أن معركة الكباس آتت في سياق مفصل رئيسي تعيشه الثورة السورية وينبيء بتبلور مرحلة جديدة، مرحلة لها استحقاقاتها وفيها من الفرص ما فيها وفيها من المخاطر ما فيها، وإذا لم تكن القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية على مستوى المسؤولية وان تقرن العمل العسكري بأخر مكمل له وهو العمل السياسي فأخشى ما أخشاه أن تصبح معركة الكباس مقبرة للثورة. !
فالملفات التي تقاربها معركة الكباس وخاصة ملف العاصمة السياسية دمشق وملف الأقليات اخطر من ان تكون مقاربتها عسكرية بحتة بل هي مقاربة سياسية بالدرجة الأولى، ولعل أولى الخطوات التي يجب عملها هي في وجود جسم سياسي للثورة يتحمل التبعات السياسية لأي تطورات ممكن أن تجري، ومن أولى مسؤوليات هذا الجسم هو صياغة خطاب سياسي واضح يحدد فيه ملامح الخطوط العامة لسبل معالجة كل ملف من هذه الملفات الحساسة دون أن يكون هناك تفريط في سبيل إرضاء أحد في الداخل أو الخارج.
كاتب وصحفي من داخل الغوطة الشرقية – ريف دمشق