رجب ليست الوحيدة التي تختفي على يد المخابرات السورية، هي واحدة من أصل 57 ألف سوري موثقين بالاسم اختفوا قسرياً بين معتقلين ومفقودين، دون أي أخبار عنهم.
لكن ما يميز مصير رجب والحالات المشابهة لها، بأن ذويهم تمكنوا من معرفة مكانهم وزيارتهم، لكن سرعان ما تحول فرحهم الى حزن، لأنهم اختفوا مرة أخرى، ولا أحد يعرف ماذا حل بهم.
رجب تختفي مرتين
اعتقلت المخابرات الجوية مدرسة الفيزياء رجب (مواليد دوما 1979) في 24/12/2011، واختفى أثرها، هذا ما تكشف عنه “حقوقية” من دمشق فضلت عدم ذكر اسمها.
وتسرد الحقوقية رحلة رجب وفقاً لشهادات سجينات سابقات، بانها قضت شهر في (آمريّة الطيران) ثم نقلت إلى فرع التحقيق، تجمع مطار المزة العسكري الزنزانة رقم (17) دون أن توجه لها اي تهمة، ثم بعد 10 أشهر تمّ نقلها إلى الفرع (215)، في كفرسوسة بدمشق.
مكثت ثمانية أشهر، معظمها في المنفردة، لتعود بعدها إلى فرع الجوية إلى ذات الزنزانة رقم (17).
بتاريخ 17/2/2014 تمّت إحالتها إلى القضاء الميداني العسكري، وبعد ان استجوبها القاضي، تم تحويها فوراً إلى سجن عدرا، بقيت هناك لعدة أشهر، ليتمّ بعدها تحويلها إلى جهة مجهولة، وفقدان اثرها.
من المدرسة للمعتقل
يروي مصدر مقرب من عائلة الشاب محمد الحسن الحموي (18 عاماً) بأنه اعتقل في حمص بتاريخ 12/1/ 2013 على حاجز الأمن السياسي، أثناء عودته من المدرسة، ثم نٌقل بعد عشرة أيام الى دمشق.
بقي الحموي مفقوداً إلى أن اتصل بأهله بعد 8 أشهر ليخبرهم أنه في سجن عدرا، كان الامن السياسي بدمشق نقله إليه.
سارعت والدة الحموي لزيارة ابنها، كانت تصر على أنه على قيد الحياة، وأنها ستراه وتحضنه مرة اخرى، لكن فرحتها لم تدم كثيراً.
بعد عدة زيارات الى سجن عدرا، اتت ذات صباح، ليخبروها بأن ابنها أصبح في حمص من أجل الإفراج عنه، أسرعت إلى حمص، وطرقت الكثير من الأبواب، لتخرج بخبر غير مؤكد بأنه تم تحويله الى سجن صيدنايا لصالح محكمة الارهاب.
يوضح المصدر، أن ذوي محمد حتى اليوم لم يصلوا لنتيجة، كل ما استطاعوا معرفته، أن ابنهم تعرض لتعذيب قاسي جداً جداً، فأدلى باعترافات غير صحيحة، مثل اغتصاب 9 نساء، وتفجير حاجزين، ووضع عبوات ناسفة… الخ.
وبالطبع ــ يضيف المصدرــ “الشاب بعيد اميال عن مثل هكذا أعمال، وتوقيفه حصل مصادفة فقط لأنه الوحيد في “السرفيس” مواليد (باب السباع)، أيام حصار ذلك الحي البطل”.
اعتقال وإنكار مطلق
داهمت دورية من الامن، منزل الفنان زكي كورديللو (مسرحي قضى جل حياته يعمل في مسرح الظل) 11/8/2012 واعتقلته مع ابنه مهيار، وشقيق زوجته “عادل برازي” وشاب من مدينة السلمية تصادف وجوده في المنزل، الكائن في دمر البلد، واقتادتهم إلى جهة مجهولة.
مضى على اعتقال الأربعة اكثر من سنتين، وحاول ذويهم ــ بحسب مصدر مقرب من العائلة ـــ بكل السبل معرفة ان كانوا ما زالوا أحياء، أو الجهة التي اعتقلتهم، او أي خبر، دون جدوى..!
يقول المصدر “ذويهم تمكنوا من الوصول إلى شخصيات نافذة، لكن الجميع نفى أن يكون هناك أي معلومة عنهم”، مضيفاً أنه وصلوا لقناعة أنه “حتى بشار الاسد لا يعرف مكانهم”.
عشرات الالاف من المعتقلين واجهوا نفس المصير، اعتقال وإنكار، حتى الموالين لم توفرهم الاعتقالات كما في حادثة اعتقالمطلق حملة (وينن) “مضر خضور” نهاية الشهر الماضي.
ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن نحو 730 شخصاً اختفوا من مدينة حمص القديمة بعد إجرائهم تسوية مع قوات بشار الأسد، في اذار/مارس الماضي.
محاولة للتفسير والفعل
تكشف “الحقوقية” التي تعمل على ملف المعتقلين من دمشق، بأن حالات الاختفاء من سجن عدرا بدأت آب/ اغسطس 2013، وتحديداً للمعتقلين المحالين لمحاكم ميدانية، جزء منهم تم نقلهم للشرطة العسكرية التي هي مقر المحكمة الميدانية لاستجوابهم ومن ثم تم ترحيلهم إلى سجن صيدنايا، او سجن عدرا.
أما الحالات المصنفة على أنها الاخطر من المحالين لمحكمة ميدانية بتهم قتل، فقد مكثوا فترة قصيرة في سجن عدرا، ثم اختفوا بصورة غامضة ويعتقد أنه قد تمّ إعدامهم.
ترى الحقوقية، أن الشيء الوحيد الممكن عمله من قبل الاهل، تقديم طلب للقضاء العسكري، كون المحاكم الميدانية تحت سلطته، طلب للكشف عن مصير المعتقل، وحينها يتم تحويلهم للشرطة العسكرية، ومن الممكن جداً أن يعرفوا معلومات، خاصة بعد العفو الاخير.
وتحمل الحقوقية التقصير بمتابعة ملف المفقودين للصليب الاحمر والمنظمات الحقوقية، والمعارضة، وتصف عدم اكتراثهم بـ “الـمعيب”، مجرد بيانات مطالبة وتنديد، دون توثيق أو متابعة سواء قانونياً او حقوقياً أو مادياً أو حتى معنوياً للاهتمام بعائلاتهم، وتضيف “ما يحدث للمعتقلين هو أخطر ما يجري بسوريا”.
لا تسامح مع الفاعلين
بلغ عدد المعتقلين في سجون النظام بحسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا نحو (55) ألف، وعدد المفقودين 2272 شخص موثقين بالاسم وتاريخ الاختفاء.
بالنتيجة يكون لدينا نحو 57 الف أسرة سورية، معظمها تجهل مصير أبنائها المختفين قسراً، وأعلنت الأمم المتحدة 30 آب/أغسطس من كل عام يوماً عالمياً لضحايا حالات الاختفاء القسري، واعتبرت الاختفاء القسري ممارسة لا يمكن التسامح مع مرتكبيها في القرن الحادي والعشرين.