Site icon مجلة طلعنا عالحرية

معارك الشمال السوري وحدود النار بين القوى المتحاربة

في الشمال السوري، تستمر الاشتباكات والمعارك العسكرية بين عدة أطراف محلية بغطاء إقليمي ودولي؛ إذ تدور رحاها على محاذاة الحدود السورية (شمالاً) والتركية (جنوباً)، بين “قوات سورية الديمقراطية” مع فصائل من الجيش الحر من جهة، كما الأخيرة تخوض حرباً ضد مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” من جهة ثانية، بالإضافة لخوض “قوات سورية الديمقراطية” معاركَ مع جهاديي “الدولة” من جهة ثالثة.

فيما أصبح النزاع السوري أكثر تعقيداً مع التدخلات الدولية الداعمة للأطراف المتناقضة والمتحاربة على الأرض السورية. فالولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الدولي، تدعم “قوات سورية الديمقراطية” التي تشكل وحدات “حماية الشعب الكردية” عمادها العسكري، في معاركها ضدّ تنظيم “الدولة الإسلامية”. حيث أحرزت هذه القوات تقدماً عسكرياً على حساب التنظيم، وباتت على مشارف مدينة الرقة أبرز معاقله في سوريا، وتوشك على فصل الأراضي الواصلة بين محافظتي الرقة ودير الزور بعد سيطرتها -أي القوات- على العديد من القرى غرب الحدود الإدارية لمدينة دير الزور المحاذية لمحافظة الحسكة.

مشهد عسكري مُربك

بينما تدعم تركيا فصائل من الجيش السوري الحر المقاتلة في غرفة عمليات “درع الفرات” منذ شهر آب/ أغسطس العام الماضي، حيث طردت مسلحي تنظيم “الدولة” من مدينة الباب أبرز معاقل التنظيم بريف حلب الشرقي في 24 شباط/ فبراير الماضي، وتمكنت من السيطرة على بلدتي بزاعة وقباسين التابعتين للباب في نهاية الشهر الماضي.

في حين تدعم روسيا وإيران القوات النظامية الموالية للأسد، وأحرزت هي الأخرى تقدماً في ريف حلب الشرقي، إذ استطاعت انتزاع بلدة تادف (3 كلم جنوب الباب) في 27 شباط/ فبراير الماضي، وباتت تسيطر نارياً على الطريق الرابط بين الباب وبلدة دير حافر.

وفي تطور لافت قد يزيد من تعقيد مشهد الحروب الدائرة في الشمال السوري، أعلن “المجلس العسكري لمدينة منبج” المتحالف مع “قوات سورية الديمقراطية” في بيان نشر في 2 آذار/ مارس الجاري، عن اتفاق مع الجانب الروسي يرمي إلى تسليم القرى الواقعة على خط التماس مع مناطق سيطرة فصائل “درع الفرات” والمحاذية لمنطقة الباب في الجهة الغربية لبلدة منبج، لقوات حرس الحدود التابعة للنظام السوري، وتوليها مهام حماية الخط الفاصل بين قوات “المجلس العسكري” من جهة، ومناطق سيطرة الجيش التركي و”درع الفرات” من جهة ثانية.

ويعزو “مجلس منبج العسكري” قراره في إطار “حماية المدنيين، وحفاظاً على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها وقطع الطريق أمام الأطماع التركية باحتلال المزيد من الأراضي السورية” كما جاء في بيان المجلس.

طموحات كردية

وبذلك تصبح فصائل “درع الفرات” معزولة عن الطريق الدولي، الرابط بين مدينة حلب (شمالاً) ومحافظتي الرقة والحسكة (شرقاً)، حيث باتت محاصرة من قوات الأسد جنوباً، و”قوات سورية الديمقراطية” من جهتي الشرق والغرب.

فبعد سيطرتها على مدينة الباب بدعم من الجيش التركي ومساندة طيرانها الحربي ومدفعيتها الثقيلة، تغيرت مناطق التماس ورسمت حدود من النار لهذه القوى المتنافسة في حروبها.

ولدى حديثه مع مجلة “طلعنا عالحرية” قال الكاتب والمحلل السياسي التركي “محمد زاهد غول”: إن “تركيا تحركت كي لا تجد جارها الجنوبي دولة كردية معادية لها أولاً، وتقوم هذه المكاسب الكردية على حساب حقوق الشعب العربي السوري ثانياً”، مشيراً أن تركيا أعلنت مراراً أنها لن تسمح بإقامة كيان كردي شمال سوريا رغماً عنها، وأضاف: “ليس من حق أمريكا وغيرها من الدول إعطاء شمال سوريا لتنظيمات إرهابية كردية”، على حدّ وصفه.

وصرح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” مراراً؛ أنه بعد الباب تنوي قواته وحلفاؤها التوجه إلى منبج الخاضعة منذ صيف العام الماضي لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية”، ودعا في تصريحات سابقة واشنطن إلى الاختيار بين تركيا أو أكراد سوريا، كما وجه انتقادات لاذعة إلى الإدارة الأمريكية السابقة لدعمها الوحدات الكردية.

أما “سيهانوك ديبو” المستشار الرئاسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، وصف التدخل التركي في شمال سوريا بـ “الاحتلال”، وفي حديثه لمجلة “طلعنا عالحرية” قال إنّ “تركيا اليوم في حال تلبس قانونيّة من انتهاك السيادة السوريّة، ووضعت نفسها في حالة من العداء مع جميع أبناء مناطق الشهباء، ومكونات روج أفا -كردستان سوريا- الذين يتطلعون للحرية والديمقراطية والعيش المشترك”.

تشتيت الجهود

إلاّ أن تركيا تتهم وحدات “حماية الشعب الكردية” بأنها على صلة مع حزب العمال الكردستاني المحظور في البلاد والذي يخوض تمرداً مسلحاً منذ عقود.

وأشار “ديبو” أن هدف تركيا من وراء السيطرة على جرابلس والباب وتدخلها بالشمال السوري: “لمعاداة الشعب الكرديّ وقضيته العادلة. تركيا أثبتت أنها لا تريد الاستقرار للمنطقة، وهي اليوم أضعف الأنظمة وأكثرها ترنّحاً، وقد امتلأت سلتها بالأزمات الداخلية والسياسيّة والاقتصادية”، على حد تعبيره.

لكن التحركات العسكرية المتسارعة في الشمال السوري، كشفت الستار عن اتفاق غير مُعلن بين أنقرة وموسكو ودمشق بخصوص عمليّات “درع الفرات” شمال البلاد، وسيطرتها على مدينة الباب وجزء من ريفها، لكنها خلطت الأوراق وفتحت مواجهة عسكرية مفتوحة بين ثلاثة أطراف عسكرية متصارعة (النظام، والمعارضة المسلحة، وقوات سورية الديمقراطية)، ما يطيل أمد الصراع الدائر في بلد مزقتها الحرب وتعدد الجهات المتقاتلة.

Exit mobile version