علاء ظاظا
مدير البرامج في شبكة حراس
ما الفرق بين حماية الطفل والدعم النفسي للطفل؟
إن الدعم النفسي للطفل مهم جداً في ظروف الطفل السوري، لكن تكمن المشكلة بالنظر إلى الطفل كـ”حالة”! بينما في التعامل مع الطفل ضمن نظام الحماية، الذي يضمن له جميع الجوانب الضرورية لنموٍ سليم، تجعل من الحماية مظلّة لجميع الخدمات المقدمة للأطفال؛ حيث يكون الدعم النفسي جزءاً منها، ففي نظام الحماية نتعامل مع الطفل كـ “شخص” ونحدد نقاط القوة والضعف لديه، وعند الأشخاص القائمين على رعايته، حتى نزيد في قدرته ومرونته في التعامل مع التحديات في حياته.
أما إذا تعاملنا مع الجانب النفسي فقط، ونجحنا فيه، فسيبقى لديه جوانب أخرى تعيقه عن النمو السليم؛ فالتعامل مع كل هذه المعوقات يعمل على زيادة استقلالية الفرد واستدامة قدرته على التكيف.
هل حماية الطفل أولوية؟
حقيقة قطاع الحماية قطاع مظلوم لأنه من جهة غير مفهوم ومعقّد، فهو ليس واضح كقطاع الغذاء أو المياه أو الصحة، ومن جهة أخرى هو مفهوم جديد على مجتمعنا.
بالإضافة إلى أنه قطاع مكلف نسبياً، مادياً وبشرياً؛ فمثلاً لو أردت أن تلمّ شمل طفل بأسرته، فهذا قد يكلفك مساهمة من عشرين شخصاً ولعدة أشهر، من أجل طفل واحد! بينما لو أردت أن تحفر بئراً، فخمسة أشخاص سيقومون بالمهمة خلال أسبوعين، ويخدم البئر آلاف الأشخاص.
تفضل الناس أن ترى الأثر المباشر الفعّال بالشكل البسيط، من هنا يظن الناس أن حفر البئر أهم وأولى!
بينما لأن الإنسان هو الأساس! فحماية الطفل المعرض للخطر هو الأمر الأولى، والعدل يقتضي أن تفكر بالإنسان الأكثر حاجة أولاً، لأنك لو أنقذت شخصاً واحداً كأنك أنقذت الإنسانية. خاصة عندما تكون أمله الوحيد والأخير.
نظرة شمولية لاحتياجات الطفل
من هنا تكون الحماية هي منهج أو طريقة في التفكير لمقاربة احتياجات الطفل بشكل شامل. والحماية تجمع وتنسّق بين مختلف قطاعات العمل الإنساني، لضمان استجابة تحقق أثراً مستداماً، وتقلل من احتمال إلحاق الأذى. من هذا المنطلق، فإن مفاهيم الحماية وقواعدها مهمة لكل القطاعات ليتم التفكير بما يحقق مصلحة الطفل كفرد، وليس التفكير على مستوى تقديم الخدمات فقط. فقد يكون التدخل من جهة لتأمين خدمة واحدة مع غياب بقية الاحتياجات لا يعطي أي أثر، وقد يسبب الأذى للطفل.
كيف يمكن أن تتسبب الإغاثة بالأذى للأطفال؟
يوضح هذا الأمر مثال منظمات دعم الأيتام، التي تقدم فقط المساعدة المالية للطفل اليتيم، دون النظر في وضع الطفل وأسرته أو القائمين على الرعاية، بينما تركز على الخدمة (واختصاص المنظمة) ولا تركز على احتياجات الطفل. قد يجعل الأسرة الراعية للطفل أو الطفل نفسه معتمدين على هذه المساعدة، مما قد يعرض الطفل للاستغلال أو يقلل من فرصته في التكيف مع وضعه.
قد يكون الطفل يتيماً لكن لديه أسرة داعمة غنية وليس بحاجة للمساعدة المالية، وقد يكون لديه احتياجات أخرى، والمنظمة فقط تقدم له المساعدة المالية. من المهم أن تنظر للطفل بشكل كامل، هل لديه فرصة للتعليم؟ هل يتوفر له الغذاء؟ هل لديه أسرة داعمة؟ هل يحصل على فرص اللعب؟ “ماذا يحتاج بالضبط؟” فمنهج الحماية يبحث في وضع الطفل، مَن مِن أسرته يستطيع المساعدة؟ فنعمل على تمكين الأسرة من دورها، بدل أن نلعب دورها.
من يستطيع العمل في حماية الطفل؟
في الوضع الطبيعي وفي حالة السلام تمتلك الدولة القوانين والتشريعات والسياسات المتعلقة بحماية الطفل، ويختص بها العاملون في الحماية. مثلاً في حالات التفكك الأسري، تستعين المحكمة بالاختصاصيين الاجتماعيين لإبداء الرأي في وضع الطفل، حتى لا يكون عرضة للخطر نتيجة حكم المحكمة بدون هذه الاستشارة التخصصية. وهناك قصور واضح في الأنظمة والسياسات على المستوى الوطني حتى قبل الثورة، مع غياب البدائل المجتمعية نتيجة ضعف اللامركزية وانعدام مساحة العمل المدني.
أما في سياق الطوارئ، فهناك الجانب المختص بالحماية المتعلق بالقانون الدولي الإنساني، الذي تراكمت فيه الخبرة الإنسانية نتيجة الحروب، وتم وضع معايير الحماية في ظروف الطوارئ، ومن ضمنها الحد الأدنى لمعايير الحماية في حالة الطوارئ، والذي تعتمده شبكة حراس.
تقدم المعايير الإطار العام للاستجابة لوضع طارئ، وتقدم خبرات الآخرين في مجتمعات أخرى، واجهت سياقات مشابهة لوضعنا، كيف تصرفوا؟ وماذا كانت أفضل الممارسات؟
هل الاختصاص مطلوب للعمل في المجال الإنساني؟
حيث نلاحظ أن هناك تخوف لدى الناس، والتصور العام أنه يجب أن تكون مختصّاً حتى تستطيع العمل في المجال الإنساني. نعم، ينبغي أن تكون مختصّاً حتى تستطيع تشخيص الحالة وتضع خطة فردية للطفل، وهذا يعتبر جزء بسيط من العمل، لكن الجزء الأكبر يعتمد على تقديم الدعم للآخرين، ولهذا يكفي أن يكون لديك الدافع الإنساني للمساعدة ويكون قلبك في المكان الصحيح.
أخيراً
أحب أن أوضح أنه في مجال العمل الإنساني إجمالاً، الكثير من الأجوبة هي أجوبة بديهية، والكثير من القواعد هي منطقية، وكل إنسان يستطيع بشيء من التركيز على مصلحة الطفل أن يعرف ما يجب ويمكن فعله.
لكن تم وضع الإطار لتجنيبك أخطاء قد تندم عليها لاحقاً، أخطاء في استخدام الموارد مثلاً، التي هي في الواقع محدودة جداً، أو أخطاء في حالات خاصة تتطلب إدراكاً أعمق للإطار القانوني أو لوضع الطفل.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج