مجلة طلعنا عالحرية

مصير مجهول لزوجات المقاتلين الأجانب.. والأبناء محرومي القيود والنسب

إدلب: سهى العلي

لم يخطر في بال الثلاثينية حنان الأحمد أن يتحول زواجها من أحد مقاتلي جبهة النصرة الأجانب في إدلب إلى كابوس يعكر صفو حياتها، وخاصة بعد غياب الزوج تاركاً لها طفلين دون أب أو حتى نسب! تروي حنان كيف تعرفت على زوجها “أبو عبد الله الشامي” عن طريق أخيها المنتسب للجبهة، والذي كان السبب بموافقتها على الزواج بعد أن بالغ بمدح صفات رفيقه الجميلة وأخلاقه النبيلة.
تقدم حنان بالسن واعتبارها “عانساً” بنظر مجتمعها من أهم الأسباب التي دفعتها للموافقة، بعد أن رأت بالعريس المتقدم لها فرصة ليس عليها أن ترفضها.. أرادت من هذا الزواج “تشكيل عائلة، والاستقرار النفسي والاجتماعي كبقية البشر ليس إلا” كما تقول، غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، حين خرج زوجها من المنزل دون عودة أو حتى معرفة أسباب غيابه، تاركاً لها طفليها في “مهب الريح” كما عبرت.
انتشرت ظاهرة زواج السوريات من مقاتلين أجانب بعد توافد مقاتلين ومسلحين أجانب من جنسيات غربية وعربية نحو الحرب الدائرة في سوريا، وانضمامهم إلى الفصائل الإسلامية المسلحة، كتنظيم (داعش) سابقاً، وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والحزب الإسلامي التركستاني ومجموعات الأوزبك والقوقاز.
هؤلاء المقاتلون سرعان ما بحثوا عن الزواج بعد شعورهم بأن بقائهم في سوريا سيمتد لسنوات طويلة؛ لتكون المرأة السورية الضحية بعد قتل الزوج أو اختفائه، لتعيش مع أبنائها حياة اجتماعية واقتصادية بالغة التعقيد.
تنوعت الأسباب التي تدفع السوريات للقبول بمثل هكذا زواج، أبرزها الفقر والجهل وقلة التوعية، ويضاف لها الخوف من العنوسة، ووجود من يعتقدن أنهن لا يمتلكن خيارات أخرى، إضافة إلى نساء انجذبنّ لشجاعة وبسالة المقاتلين، أو الرغبة بالتقرب من هذه التنظيمات التي أصبحت المسيطرة وصاحبة القوة والنفوذ في المنطقة التي وجدن فيها، دون أدنى فكرة عن تبعات هذا الزواج أو رأي القانون به.
الشابة صفاء الغريب (22 عاماً) أكثر ما يؤلمها بعد وفاة زوجها (الداعشي) هو بقاء أطفالها دون نسب، وبحثها المستمر عن طريقة لاعتراف المجتمع بهم و بهويتهم دون جدوى، خاصة وأنها لا تعرف اسم زوجها الحقيقي حتى لحظة وفاته؛ فكل ما تعرفه عن زوجها أن اسمه “أبو البراء المغربي” دون أي تفاصيل أخرى، رغم إلحاحها عليه لمعرفة اسمه الحقيقي، لكنه كان يتهرب من السؤال باستمرار بالرد أن اسمه “أبو البراء” وحسب.
تعيش صفاء اليوم في إحدى مخيمات النزوح شمالي إدلب داخل خيمة قريبة من خيمة أخيها، وتعتمد في معيشتها على ما تحصل عليه من معونات شهرية إغاثية.
وعن السبب الذي دفعها لمثل هذا الزواج وهي صغيرة بالسن، تقول إنها توقفت عن الدراسة بسبب الحرب وانعدام الأمان، ونزحت مع أهلها منذ أكثر من ستة سنوات من ريف إدلب الجنوبي باتجاه ريف اعزاز شمالي حلب. تقول: “حين تقدم أبو البراء طالباً الزواج مني لم أمانع الأمر، كنت باحثة عن حياة أفضل في كنف حماية زوج يحبني ويهتم بي ويمنحني الاستقرار والأمان”.
لا تخفي صفاء إعجابها بزوجها المقاتل “القوي والوسيم” وشعرت أنه “فارس أحلامها”. عاشت أكثر من ثلاث سنوات مع زوجها في منزل “جميل” بمدينة الباب شرقي حلب، كان يؤمن لها جميع طلباتها واحتياجاتها ،غير أنه كان كثير الغياب عن المنزل وقليل الكلام أثناء حضوره داخله.
أنجبت صفاء ثلاثة أطفال من زوجها، أسمتهم علي وعمر وخديجة، هم اليوم “مجهولو النسب”، ولمّا بدأ هجوم التحالف على الرقة بداية 2017 قُتل الزوج، ونجت صفاء مع أطفالها بأعجوبة، ليستقر بها الحال في مخيمات إدلب.
تقول بحرقة: “لا أعلم كيف سيكون مستقبل أبنائي، فأنا لا أملك سوى عقد الزواج الذي نظمه أحد الشرعيين بالتنظيم”، وتساءلت بحيرة: “كيف سأدخل الصغار للمدرسة عندما يسألون عن اسم الأب والكنية والنسب، هل يعقل أن يبقى أولادي دون هوية عندما يكبرون؟”.
وتتعرض صفاء وأطفالها لانتقادات مجتمعية، وينعتونها بعائلة “الداعشي”، أما الاولاد يطلقون عليهم “ابناء الداعشي” حتى غدت تخجل من زواجها ذاك وتحاول إخفاءه عن المجتمع.
ورداً على انتشار الظاهرة أطلق ناشطون في إدلب حملة “مين زوجك؟” لتسليط الضوء على ظاهرة زواج السوريات من مقاتلين أجانب، وتوعية النساء بمخاطر تلك الزيجات عليهن وعلى أطفالهن.
وشملت الحملة جلسات حوارية نسائية بالتعاون مع عدد من المنظمات والفرق التطوعية المدنية في المناطق المستهدفة، إضافة لحملة إعلامية عن طريق لصق بوسترات وبروشورات ورسومات غرافيتي على الجدران والأماكن العامة، للتعريف بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الأمر الذي أثار حفيظة المقاتلين الأجانب الذين عمدوا لتشويه اللافتات وإزالة الإعلانات من الشوارع والطرقات العامة، وملاحقة القائمين عليها وفقاً لناشطين.
وتهدف الحملة لمساعدة الأطفال مواليد تلك الزيجات على الاعتراف بهم من قبل المجالس المحلية، التي منحت هؤلاء الأطفال وثائق غير رسمية تمكنهم من تلقي اللقاحات والتعليم في المدارس على الأقل.
وعن الأثر القانوني المترتب على زواج السوريات من مقاتلين أجانب، تحدث الحقوقي “سهيل الخاني” بأن “القانون السوري لا يعترف بهذا الزواج، ولا توجد نصوص تعالج هذه المسائل الشائكة حتى اللحظة”.
ويصف الخاني زواج السوريات من جنسيات أجنبية بـ”الظاهرة الخطيرة” بما يتعلق بمستقبل الأطفال، بسبب حرمانهم من أبسط حقوقهم وهي الجنسية والنسب والعائلة، وهم قد وُضِعوا مرغمين في غياهب مستقبل مرير، ولا سبيل لتوفير وثيقة تبين تفاصيل هوية الأب واسمه الصريح وجنسيته ودينه.
يقول الخاني بهذا الصدد: “فالزواج الشرعي هو الذي يترتب عليه حقوق وواجبات، وأحكام ونتائج، ومصاهرة ونسب، لذا يجب أن يكون مبنياً على الصراحة والوضوح، وهو ما لا يتوفر في زواج السوريات من مقاتلين أجانب” وفق تعبيره.
يذكر أن حملة “مين زوجك؟” أحصت السوريات المتزوجات من أجانب، وبلغ عددهنّ 1735 امرأة، 193 منهن أرامل ومطلقات، و165 أزواجهن مفقودون و1124 منهن لديهن أولاد.

Exit mobile version