مجلة طلعنا عالحرية

مصابات الحرب في إدلب.. آلام النفس والجسد

دارين الحسن – إدلب

بين ليلة وضحاها تحولت سناء البصاص (24 عاماً) إلى مصابة حرب، تحتاج إلى مساعدة في كل تفاصيل حياتها، وهي لا تزال في مقتبل العمر، “يتملكني شعور بالعجز والنقص، ولا أنسى فظاعة ما مررت به، حين صحوت على سرير المستشفى فوجدت نفسي بإعاقة دائمة، ستغير مجرى حياتي إلى الأبد” تقول سناء لطلعنا عالحرية.
سناء هي إحدى مصابات الحرب، اللواتي وقعن ضحايا الحرب السورية المدمرة، وبدأت معاناتهن من صعوبة الحصول على العلاج، إلى جانب التهميش والوقوع فريسة الأمراض النفسية، دون أن يجدن من يمد لهن يد العون، أو يسمع أنين هذه الفئة المهمشة.
فئة منسية
تتعرض المرأة ذات الإعاقة إلى تمييز مزدوج، وتعيش تحديات وصعوبات من المجتمع الذي ينظر إليها نظرة دونية، وليس نظرة إنسانية، وتعيش مهمشة من قبل أسرتها والمجتمع المحيط.
سناء التي تنحدر من مدينة كفرنبل بريف إدلب، تعرضت لشظية قذيفة بترت يدها اليمنى منذ أواخر عام 2019، ومنذ ذلك اليوم لم تعد قادرة على القيام بواجباتها تجاه زوجها وطفلها على أكمل وجه، بحسب وصفها، وتشعر بأنها تعيش على هامش الحياة، وعن ذلك تقول: “أشعر أن الموت أسهل من هذه الحياة بعد أن انضممت إلى قائمة الفئة المهمشة المنسية”.
تضيف بعد تنهد: “صحيح أنني فقدت يدي، لكنني فقدت معها كل أمل بالعيش الطبيعي، فالجميع ينظرون إلي بعين الشفقة والعطف، وأشعر بالإهمال من قبل زوجي الذي أعتبره أقرب الناس إلي”.
أما أم علاء (31 عاماً) من منطقة جبل الزاوية بريف إدلب، فكان مصيرها الطلاق من زوجها بعد إصابتها، وعن معاناتها تتحدث لطلعنا عالحرية: “أدى انفجار لغم أثناء عملي في أرضنا الزراعية لبتر قدمي، ولم أتمكن من الحصول على طرف صناعي بسبب الفقر، لذلك أستعين بعكازين أصبحا وسيلتي الوحيدة في التنقل والحركة داخل المنزل”.
تؤكد أم علاء أن إصابتها كانت سبباً بتخلي زوجها عنها، وتزوج امرأة أخرى بذريعة عجزها عن الاهتمام به.
وتضيف: “اصطحبت أبنائي الأربعة وتوجهت للعيش في منزل أهلي، واضطر ولدي الأكبر البالغ من العمر (14 عاماً) لترك المدرسة، والعمل لإعالتنا والإنفاق علينا بعد انشغال زوجي عنا، وتوقفه عن إرسال مصروفنا”.


صعوبة الحصول على طرف صناعي
معظم النساء المصابات لا يستطعن الحصول على أطراف صناعية بسبب غلائها، وضعف الإمكانات الطبية في المنطقة، ومحدودية الدعم الذي تقدمه المنظمات والهيئات والمراكز المعنية بمصابي الحرب، حيث تفتقر إدلب إلى وجود أي جهة تقدم أطراف صناعية مجانية لمن يحتاجها، بسبب غلاء أسعار هذه الأطراف المستوردة من جهة، وكثرة أعداد المصابين/ات من جهة أخرى.
علي الطعمة (41 عاماً) من مدينة إدلب، فني أطراف صناعية، يتحدث عن الصعوبات التي يواجهها مصابو الحرب في رحلة البحث عن العلاج، فيقول: “تعاني مراكز تركيب الأطراف الصناعية في المنطقة من شحّ الدعم وقلة الإمكانيات، حيث تراجع نشاط الجمعيات الخيرية التي تُعنى بمصابي الحرب والجرحى في مناطق الشمال السوري، جراء شحّ التمويل والتكاليف المرتفعة التي يستلزمها العلاج الطويل، وغلاء أسعار هذه الأطراف، حيث تبلغ كلفة تركيب الطرف الواحد بين (800 – 1500) دولار أميركي على الأقل، أما الطرف الذكي فقد تصل كلفته إلى حوالي 50 ألف دولار أميركي”!
ويؤكد الطعمة أن بعض المراكز في إدلب تصنع أطرافاً محلية الصنع، وتتقاضى من المستفيدين سعر التكلفة فقط.


ضغوطات نفسية
تترك الإعاقة في حياة النساء جروحاً نفسية عميقة. وعن ذلك توضح المرشدة النفسية شهد العلي (33 عاماً) من مدينة أطمة الحدودية مع تركيا: “يقع على عاتق المرأة مسؤوليات وأعباء كبيرة، وحين تفقد جزءاً من جسدها تشعر بالخيبة والإحباط والدونية وفقدان الثقة بالنفس، إلى جانب شعورها بالكآبة والقلق، وتتلاشى أمامها الأحلام والطموحات المستقبلية، وينحصر تفكيرها بكيفية تدبير أمورها، وكيف ستتأقلم مع إعاقتها وإصابتها”.
وتؤكد العلي أن المرأة ذات الإعاقة تواجه حرماناً من فرص التعليم والتأهيل والإرشاد والعمل، والخدمات الصحية، وتقل فرصها بالزواج والاندماج الاجتماعي.
وتلفت العلي إلى ضرورة منح النساء ذوات الإعاقة مزيداً من الاهتمام والرعاية، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وإتاحة فرص العمل أمامهن، وتوفير حياة كريمة تضمن لهن مصدر رزق كريم وتؤمن حقوقهن، ويكون ذلك من خلال افتتاح مراكز تمكين لهؤلاء النسوة لمساعدتهن على تجاوز محنتهن، وإطلاق حملات دمج وتوعية تغير من النظرة المجتمعية الدونية لهذه الفئة من النساء.


تحدي الألم
رغم قسوة الواقع حاولت بعض النساء من ذوات الإعاقة في إدلب تخطي مرحلة الألم واليأس، والخروج من خانة العجز، وجعل الإعاقة حافزاً للنهوض والنجاح.
نورة التناري (39 عاماً) نازحة في مخيم سرمدا، تعمل رغم إعاقتها لتعيل أطفالها الثلاثة بعد وفاة زوجها، “نسيت نفسي وإعاقتي أمام حاجة أطفالي، فرغم بتر قدمي بإصابة حربية، والاستعاضة عنها بطرف صناعي، أعمل في الخياطة داخل الخيمة لأعيل أبنائي” توضح نورة.


اليأس هو الأعاقة الحقيقية
أما العشرينية وفاء الدياب من معرة النعمان، فقد أصرت رغم إعاقتها على متابعة دراستها الجامعية، وعن ذلك تقول: “أصبت بالشلل جراء إصابة عمودي الفقري بشظية قذيفة، واستقرت بي الحال على كرسي متحرك، وبعد مكوثي في المنزل لمدة سنتين، بدأ الأمل في داخلي، وصرت أتطلع نحو المستقبل، فقررت كسر الحواجز والعودة لإكمال دراستي الجامعية، فلا شيء مستحيل مع الإرادة القوية، ولا تهمني نظرة المجتمع المحبط من حولي”.
وتضيف الدياب: “الحياة لا تتوقف عند حدود الإعاقة أو فقدان جزء من الجسد.. يجب أن نستمر، ويجب أن ندرك أن اليأس هو الإعاقة الحقيقية في حياتنا”.

Exit mobile version