مجلة طلعنا عالحرية

مسرحية عفواً مموزين.. أحمد اسماعيل اسماعيل

قراءة : حواس محمود

تتحدث هذه المسرحية “عفواً مموزين” عن الواقع الكردي وحالة القمع التي يتعرض لها الفن الكردي والثقافة الكردية؛ إذ أن الأمن السوري يمنع كل نشاط ثقافي كردي، علني أو سري، إن اكتشف مكان النشاط، كما أن المسرحية تتحدث عن كثرة الأحزاب الكردية وتشرذمها وانقساماتها (من خلال معالجة موضوع الحب عبر شخصيتي مم وزين وبكو) وتأثير هذا التشتت السلبي على العلاقة العاطفية وإفسادها، وبالتالي إنهائها.
مكان المسرحية كواليس أحد المسارح المتواضعة، الشخصيات: سالار الشاب العشريني، نالين فتاة في التاسعة عشر من العمر، وهما ممثلان في مسرح الهواة.
سالار يؤدي دور “فوجت” في مسرحية “النقيب كوبينك” لكارل تسوكماير. يجري حديث بين الممثل والممثلة بانتظار قدوم المخرج، وإمكانية عرض المسرحية، لكنهما يخشيان منعها من قبل الأمن، لأن الأمن قد سبق أن منع مسرحية “موت الحجل”، يشعر الممثلان بالقلق تجاه مصير المخرج، الذي يبدو أنه استدعي إلى فرع الأمن القريب من مكان عرض المسرحية، ويجري التساؤل بينهما: هل تم اعتقال المخرج؟ وعند قدوم المخرج يحتار الثلاثة (الممثل، الممثلة، المخرج) أي مسرحية سيتم تقديمها للجمهور الذي يشعرون تجاهه بالقلق والحيرة، بسبب انتظاره عرض مسرحية ما؟
فالأمن لا يوافق على العديد من النصوص المسرحية، لأنها بنظره نصوص كردية سياسية، حتى إن كانت لا تتحدث عن السياسة بشكل مباشر، وبعد أخذ ورد ونقاش بين الثلاثة، تم الاتفاق على تقديم نص مسرحية “مموزين” باعتباره نصاً يعتمد العاطفة ومشاعر الحب البعيدة عن السياسة وأوجاعها العديدة.
مكان عرض المسرحية حديقة مدينة جامعية، إذ تجلس فتاة جامعية (زين) على أحد مقاعد الحديقة، ويقترب منها شاب (مم) بتردد وهو ينظر إلى ساعته، يحمل وردة حمراء بيده، يتأملها بنظرات الوله، وسلام صباحي آذاري، ويقدم لها وردة، ويدور حديث الحب والوله بين الإثنين.
وأثناء هذا الحديث الهيامي –إن جاز التعبير– يلمح “مم” “بكو” ويؤكد أنه رآه بأم عينه، وأنه يريد التجسس عليهما وعلى حبهما، بغاية إفساده وإفشاله، فيما “زين” تنفي ذلك بالقول لا وجود لأحد هنا، لا “بكو” ولا غيره.
وعند قول زين إنه لا أحد يستطيع منعها ومنع “مم” من الزواج، بخاصة أن العشائرية كانت تعيق الحب بين شاب وفتاة، وأن هناك أحزاب كثيرة وكل من “مم” و”زين” يتحدثان عن أقاربهما وانتمائهما إلى هذه الأحزاب، يدخل الاثنان في حديث عاطفي جميل، ويحصل الاختلاف حول مكان إقامة العرس –عرسهما المرتقب- إذ يرى “مم” أن يقام حفل الزواج في حوش داره، بينما “زين” تطالبه أن يكون العرس في ناد فخم ورائع،
وأثناء احتداد الخلاف بينهما ترمي “زين” الوردة الحمراء فيلتقطها “مم”، ويحصل هذا أكثر من مرة بين الإثنين، وهي الوردة التي ترمز لعلاقة الحب بينهما.
“زين” تطالب بأن يكون حفل الزواج حافلاً بكل المظاهر الارستقراطية، وهذا ما يثير غضب “مم” وتبرمه من هذا الطلب المكلف والمرهق، والذي يتعارض مع الإخلاص للحب، بعيداً عن مظاهر البذخ والبهرجة الفائضة، ويصل الخلاف إلى حدوده القصوى عندما ينهي “مم” العلاقة بينهما بالقول إن ما كان بيننا قد أصبح في خبر كان! وتتفاجأ “زين” وتقول له بأنه ليس حراً في قراره ، لكنه يؤكد أنه حر في قراره، وتخرج “زين” من جهة غير الجهة التي خرج منها “مم”، ويتدخل “بكو” (الغائب الحاضر) في هذا الخلاف بالقول: “ها ما رأيكم؟ أنا أعرف أنكم بعد قيل وقال.. ستقولون إن “بكو” وراء هذا الخلاف، والله وبالله وتالله لست أنا من فعل ذلك هذه المرة، لست أنا”.
(“بكو” والملقب بـ”بكو عوان” هو الشخصية التي أفسدت الحب بين “مم” و”زين” في ملحمة مم وزين للشاعر الكردي المعروف أحمدي خاني)
يوظف الكاتب المسرحي “أحمد اسماعيل” قصة الحب “مموزين” في قراءة الحاضر الكردي، ويدخل موضوع الأحزاب كسبب رئيسي في الواقع المأساوي الكردي، حيث التشتت والتشرذم والانقسام الكردي واضح للعيان لكل متابع للشأن الكردي في سوريا، ويبين التأثير السلبي لهذا التشتت على أنبل عاطفة بشرية وهي الحب بين مم وزين، والذي تأثر بشكل كبير وخطير، وفشلت العلاقة المقدسة بينهما دون تدخل بكو، علماً أن “بكو”، وربما قصد به الكاتب النظام، هو اليد الخفية والمستترة في مثل هذا الخلاف، الذي أساساً جاء نتيجة خلافات الأحزاب السياسية التي يشجع النظام تذررها وانقسامها الهائل.
لقد وفق الكاتب في توظيف التراث الشعبي الكردي وإسقاطه على الحاضر، لتقديم نصّ جمالي كامل ومتكامل، تتوفر فيه الشروط الفنية، وقادر على جذب الجمهور والمتلقين إلى أجواء مسرحية معاصرة تعالج هما معاصراً بأسلوب أدبي جميل وممتع.

Exit mobile version